زهراتنا الأسيرات

ورود ستزهر ولو بعد حين

  

بقلم: فيصل بامري.

يُعتبر ارتباط الفلسطينيّات بالأسرى الذين مازالوا يقضون محكوميّاتهم في السّجون الصّهيونيّة ظاهرة فلسطينيّة بامتياز. وإنّها لظاهرة تستوجب الوقوف عندها مطوّلا لتفاصيلها الغريبة وأبعادها المختلفة التي يجتمع فيها الوطنيّ بالعاطفي ّوالفكريّ لتكون النتيجة قصصا تكاد لا تُصدَّق لولا أنّها تحدث حقيقة.

وإنّنا متى تطرّقنا إلى هذا الموضوع تساءلنا مباشرة ما الذي يدفع فتاة ما لقبول خطبتها لأسير يقضي حكما قد يصل في بعض الأحيان إلى عشرات المؤبّدات؟ ولكنّنا سرعان ما نجد أنّنا إزاء واقع فلسطينيّ خاصّ لا يقبل البتّة الخضوع للأحكام التي تسيطر على الحياة خارج الوطن المحتلّ.

 

أسباب الارتباط:

تتعدّد أسباب ارتباط الفلسطينيّات بالأسرى وتتنوّع، ولكنّها تلتقي في النّهاية  بطريقة أو بأخرى عند دافع رئيسيّ هو التّشبّع بروح المقاومة وحبّ الوطن. فالفتاة الفلسطينيّة التي ترتبط بأسير محكوم بعدّة سنوات أو حتّى مؤبّدات هي في نهاية المطاف جنديّ يدافع عن وطنه ويساند مناضليه ويمدّهم بأهمّ سلاح يزيد من تشبّثهم بالحياة وتمسّكهم بنهج المقاومة والصّمود، ألا وهو سلاح الأمل. ولعلّ أبرز من يصف أهميّة هذا السّلاح هم الأسرى أنفسهم حيث يؤكّد كلّ أسير مرتبط بفلسطينيّة تنتظر تحرّره لتزفّ إليه أنّ ذلك الارتباط قد منحه دفعا كبيرا ليواجه العدوّ الصهيونيّ في المعركة المتواصلة التي تدور جولاتها كلّ يوم داخل المعتقلات والسّجون، وإنّ الخطوبة تجعلهم يحلمون ويأملون ويستعدّون للحرّيّة التي ستشاركهم فيها فلسطينيّات آمنّ بانتصارهم قبل حدوثه فانتظرنه سنوات كنّ خلالها خير السّند والمعين.

ولا يقتصر الارتباط بالأسرى على البعد الوطنيّ فحسب بل يمتدّ أيضا إلى الأبعاد العاطفيّة والرّوحيّة والفكريّة.

 

معوقات الارتباط:

 

لا شكّ أنّ الاحتلال يظلّ أوّل معرقل لإتمام مراسم الزّفاف وتجسيد الحلم الجميل، فأحكامه الظّالمة تُبقي الفتيات المرتبطات بالأسرى في حالة انتظار مؤلمة جدًّا يضاعفها الشّوق والحرمان من كلّ أشكال اللّقاء والتّواصل، فهنّ ممنوعات من تبادل الرّسائل مع الأسرى أو زيارتهم.

وتتضاعف تلك المعاناة إذا لم يكن الأهل والمجتمع متقبّلين لفكرة الارتباط بأسير مازال يقضي حكمه في السّجون الصّهيونيّة، وهو ما يجعل قبول الاقتران بأسير أمرا صعبا يتطلّب من الفتاة جَلَدا وصبرا كبيرين تحسنهما الفلسطينيّات إلى أقصى حدّ حتّى وإن كانت العواطف تضعفهنّ إلى درجة كبيرة.

الدّلالات:

 

إنّ اقتران الفلسطينيّات بالأسرى وانتظار تحريرهم سنوات عديدة ليحمل عدّة رسائل غاية في الأهميّة لعلّ من بينها إرادة الحياة المتجذّرة في نفوس الفلسطينيّين والفلسطينيّات والتي لم ينجح الاحتلال يوما في إضعافها أو تحطيمها، وما ذلك الحلم الذي يولد في الأسر، فينمو ويكبر ويثمر خارجه إلاّ انتصار ملحميّ يسطّره الأسرى وشريكاتهم ممّن يتحمّلن كلّ الصّعاب على امتداد سنيّ الانتظار والغياب. وإنّ قبول الفتيات الفلسطينيّات الاقتران بالأسرى لخير دليل على أنّ المرأة الفلسطينيّة تشارك المناضلين والمقاومين الدّفاع عن الحقّ في الحياة والحرّيّة وإنّها لتفديه بالعمر حتّى تنالهما بمعيّة رفاق العمر.

ورود أزهرت وأخرى لازالت تنتظر:

 

غفران زامل خطيبة الأسير حسن سلامة:"حسن كان على مدار سنوات طويلة يمثّل لي الحلم الذي أتوق إلى تحقيقه ، كنت أرى فيه كلّ صفات الشّخص الذي أودّ الارتباط به ، وإنّني على يقين أنّ هذا الحكم زائل وأن موعده مع الفرج قريب."

 

سناء سلامة زوجة الأسير وليد دقة: "أنا كنت و ما زلت سعيدة جدّا بوجود وليد في حياتي ولست مستعدة لأن أتنازل أو أفرّط بهذه العلاقة حتى لو اضطررت إلى انتظاره العمر كلّه"

الأسير نائل البرغوثي(أعيد اعتقاله) المتزوّج من الأسيرة المحرّرة إيمان نافع :" كأسير محرّر أعتبر ارتباطي مع أسيرة محرّرة انتصارا وتحدّيا وتجسيدا لروح الإيمان والأمل ، وبداية لفتح قفل أغلق أبواب الحياة أمامنا ولكنّه لم يقتل روح الإرادة والأمل فينا ، إنّه كسر للقيد والسّجن وتحقيق للحرّيّة ، وبداية لرحلة أخرى من العطاء والوفاء بين اثنين قيّدتهما الظروف والقضبان ليعبّرا عن مشاعرهما حتّى تجمعهما الحرية من جديد. أشعر أنّ عقد القران بداية لأسرة أضيفت لأسر الشّعب الفلسطيني الصّابر المعطاء ودعاؤنا لله أن يتمّم علينا الفرح والسّعادة لتضميد جراح لطالما نزفت ومسح ألم لسنوات طويلة لن تفارقنا ذكرياتها التي سنتعلّم منها الكثير ونستمدّ الدّروس والعبر."

 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى