الاعتقال الإداري

جريمة بغلاف القانون

بقلم: محمد القيق.  
لا يمكن الحديث عن "الإعتقال الإداري" إلاّ بتناوله جنبا إلى جنب مع نافذة الإضراب الفردي الذي أجده مرتبطًا به رافضًا لظلمه وثائرًا على صلفه وكاسرًا لقيده اللامنتهي.
ويعود للواجهة من جديد الإعتقال التعسفي الذي بات البعض يخطئ في تسميته بالإداري لما في لذلك من مخاطر قانونية ونفسية وإعلامية سنتحدث عنها، ولعل تصديري هذا الملف لقائمة الأولويات من جديد له أسباب، أبرزها الإضراب عن الطعام جماعيّا كان أم فرديّا.
أبلغني المندوب السامي لحقوق الإنسان في فلسطين في اجتماع بيننا أن الاعتقال "الإداري" هو ضمن قوانين العالم ويستعمل في العديد من المناطق بغرض حماية أمن المواطنين في تلك الدول وهو جزء من المنظومة القانونيّة الدّوليّة، ولكن الاحتلال يستخدمه بصورة غير صحيحة؛ فسألته فورا عن التسمية التي تطلقها المنظّمات الحقوقيّة الدّوليّة على ما يقوم به الاحتلال من اعتقال تعسفي فقال لي نسميه "الاعتقال الإداري"؛ وتلك هي المصيبة.
يا سادة الاعتقال الإداري في عقلية المجتمع الدولي خطوة احترازية ضد الإرهابيين بغرض حماية الدولة من العمل الإرهابي الذي يضر بأمنها؛ فكيف ستكون صورتكم في أنظار العالم حينما تستخدم في الإعلام والمراسلات الرسمية نفس التسمية المتعارف عليها دوليا؟!

و أحذّركم أنّ ما يجري من اعتقال تعسفي هو جريمة تدينها القوانين الدولية التي أعطت -بشكل أو بآخر- الاحتلال مساحة كافية للتبجح على حساب الفلسطينيين.
لذلك بات من المهم فضح الجريمة لا على مستوى السجون والشارع وحسب وإنّما في كل المحافل الإعلامية والسياسية والدولية، والتركيز على الجور المسلّط على الفلسطينيين ضمن هذا النوع من الجرائم.
وإذا قمنا بتعرية هذا الاعتقال فيجب أن نذكر هنا حكاية الإضراب الفردي ضده الذي كان له الأثر الكبير في فضحه محليًا ودوليًا، أضف إلى ذلك محاولة إغلاق هذا الملفّ من خلال الإضراب الجماعي الذي خاضه الأسرى قبل أعوام لنكون أمام وسيلة مقاومة جديدة لهذا الّنوع من الجرائم؛ وهو الإضراب عن الطعام  الذي أسفر عن انتصارات مهمة على الصعيد الفردي لعلّ أهمّها ردع الاحتلال وفضحه على المستوى الدّوليّ.
لذا وجب علينا البحث عن طرق ووسائل مساندة جماعية وسياسية وإعلامية وغيرها حتى لا يبقى الملف مقتصرًا على الإنتصار الفردي الذي يجب استثماره في رفع معنويات الشارع الفلسطينيّ خاصّة وكشف النقاب عن همجية الاحتلال لتتويج الجهود نحو انتصار يطمح له كل الأحرار وهو إغلاق ملف الاعتقال القسري؛ وتوثيق جريمة القانون التي باتت مقبرة الأحياء في فلسطين بتواطؤ دوليّ يُجمّل الوجه القبيح للاحتلال من خلال اعتبار تلك الجريمة إجراء عاديّا تمارسه كل الدول.
وهنا يجب التوقف عن الجدل الجانبي حول جدوى الإضراب الفردي والجماعي وما يصحبهما، لأن من شأن هذا الجدل أن يوقف الإضراب الفردي وأن يحبط الخطوات الجماعية و يثبّط عزيمة الشارع وكل هذا يخدم الاحتلال ومخابراته؛ ولذلك بات حريا بنا أن نحقق الإنجازات والانتصارات، لا أن نهدم ونخطط من خلف شاشات الحواسيب وشبكات التواصل دون أن يكون لدينا وعي ودراية بحجم جريمة يستمتع الاحتلال بشرعنتها معتمدا في ذلك على الغطاء الدولي ومستغلاّ ضبابيّة المصطلحات وضعف التعاطي الرسمي الفلسطيني على صعيد نقل الملف للمحافل الدولية وإعطائه حقه في الساحة الداخلية والشعبية.
 

ويعتبر الاعتقال الاداري من اكثر الاساليب خرقا لحقوق الانسان، رغم أنّه مقنّن دوليّا. ولكن بسبب الانتهاك الصارخ  للحق في اتخاذ الاجراءات القضائية النزيهة المتعلقة بوسائل الاعتقال الاداري والخطر الواضح لاستغلاله سلبا وضع القانون الدولي قيودا صارمة على تنفيذه، فالاسلوب الذي تستعمله قوات الاحتلال الاسرائيلي خلال الاعتقال الاداري يتناقض تناقضا بيّنًا مع هذه القيود، حيث ان المادة78 من "اتفاقية جنيف" الرابعة تنص على أنه  "اذا رأت دولة الاحتلال لأسباب أمنية قهرية ان تتخذ تدابير امنية ازاء اشخاص محميين فلها على الأكثر ان تفرض عليهم اقامة جبرية او تعتقلهم…".

ونلاحظ ان الاتفاقية تتحدث عن الاعتقال الإداري في حالة طارئة جدا وإجراء أخيرا  لا مفر منه، واذا كانت هناك الامكانية لفرض الاقامة الجبرية فلها الأولوية لانها اقل ضررا بالشخص، وبما ان الاعتقال الإداري لا يتمّ بسبب ارتكاب مخالفة جليّة لقانون واضح وإنما لاسباب امنية فيجب ان يكون استثناء لا قاعدة، والقائد العسكري يستند في الاعتقال على مواد سرية في حين أنّ اتفاقية جنيف لا تتحدث مطلقا عن الصلاحية في استخدام مواد سرية لاثبات الخطورة من الشخص ومن هنا نرى الفرق الجوهري والملموس بين الاجراءات الاسرائيلية وما تقرّه اتفاقية جنيف.

 
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى