بقلم: ياسر الحطاب
7500 أسير فلسطيني تقريبا لم يناموا هذه اللّيلة ، وإن راوغهم النّعاس وتملّك منهم ، لم يوقظهم إلاّ الحلم الذي يؤلمهم .
الابن في الحلم، اﻷمّ، اﻷب، الزّوجة، تتباين اللّيلة أحلامهم لكن لا مفرّ من النّتيجة المجمع عليها، من ابتسم الليلة وهو نائم ؟! من صاح؟! من ناجى وصرخ؟!
وان انتفضت جفونهم فلن ترى أبعد من تلك الجدران التي لم ترأف بأحلامهم .
استيقظوا جميعا هذا الصّباح قبل أن تشرق الشّمس ، فبعد اتّفاق ونقاشات وشروط ، تكون مصلحة السّجون قد سمحت لهم بممارسة طقوس العيد باكرا.
استيقظ الجميع ، لكن باب الزّنزانة ما زال يحول بينهم وبين ضياء الصّباح في السّماء .
الكلّ في حالة صمت ، يتلّمسون أشياءهم بعناية وكأنّهم يخشون إيقاظ رضيع نائم وبكاءه ، يلبسون أجمل لباس لديهم، ذلك اللّباس ذا اللّون البنّيّ " الزّيّ الرّسميّ للأسرى اﻷمنيّين في سجون الاحتلال" ، يصففون شعرهم بالماء ، ويتبادلون المرآة بصمت ، و في صدورهم عتاب موجّه للعيد: لماذا جئت أيّها العيد ؟!
دقّت الساعة ، نادى الجنديّ بمكبّرات الصّوت ، فُتح الباب فخرج الكلّ كسرب حمام . ما زالوا صامتين، يترافقون بصمت بشكلٍ دائريّ في تلك اﻷمتار القليلة، والعيونُ لا تحدّق إﻻّ بالسّماء، يوجّهون اللّوم للشّمس التي أشرقت، لكنّها لم تستطع صهر الأسلاك الشّائكة ولا تحطيم الجسور البائسة. يتوجّهون إلى الشّمس يبثّونها أشواقهم: هذا يشتاق إلى أمّه وذلك إلى ابنه وذاك إلى حبيبته، فيواسيهم الوطن: أنا كلّ أولئك …وأكثر.
بدأت صلاة العيد ، واصطفّ الجميع ، الكتف بالكتف والسّاق بالسّاق ، ورفاقٌ في الخلفِ جالسون ، يشاركونهم العيد بالصّلواتِ للرّبّ…
انتفض المجلس وبدأت التّهاني الجافة واﻷحضانُ المشتاقة ، وعادوا يخاطبونَ السّماء بصمت .
وسرعان ما انتهى العيد !! لم يتجاوز عيدهم ساعة!! فقد عادوا إلى الزّنازين. بادر أحدهم ليعدّ الإفطار لرفاقه سائلاً: بم ترغبون؟!
وكأنّ محتويات وجبة اﻹفطار قد تغيّرت !!!
لا أحد يجيب، فالكّل منهمك في شأنه وأحزانه، هذا احتضن وسادته دافنا رأسه بها، يا تُرى هل يبكي أم تحرق النار أحشاؤه ؟!
وآخر عقد يديه خلف رأسه مغلقا عينيه ، وثالث أشعل سيجارته علّها تواسيه.
فَقِه السّائل اﻹجابة وعدل عن اﻹفطار الذي لم يكن راغبا به ، وذهب يمارس طقوس ألمه وحيدا.
انتهى العيد وسيمضي يومهم كالجراح التي لا دواء لها سوى الكيّ بالنار .
انتهى عيدهم ونحن بدأنا للتّوّ!!
انتهى عيدهم ونحن نقبِّل أمّهاتنا وأباءنا و أطفالنا.
انتهى عيدهم ونحن واصلون أرحامنا .
انتهى العيد ، والوطنُ عيدهم.
انتهى العيد واﻷرضُ تنادي باسمهم ، وتخبرهم أن لا عيد لهم سوى الحرّيّة.
كل عام و فلسطين بخير ، كل عام وأسرانا البواسل وعوائلهم بخير . وإنّ أعظم أمنياتنا أن يكون عيد الحرّيّة على مرمى حجر .
زر الذهاب إلى الأعلى