الأسرى المرضى

منصور موقدة…الشّهيد الحيّ

بقلم : تمارا حدّاد

عندما تكون أسيرا في السّجن تكون لك أمنية واحدة وهي الحرّيّة. وعندما تمرض في السّجن لا تفكّر بالحرّيّة وإنّما بالصّحّة، فالصّحّة تسبق الحرّيّة. فالصّحّة هي توازن كلّ القوى وانسجامها معا فصحّة الأسير مرتبطة بحرّيّته. فمن يمتلك الصّحّة يمتلك الأمل ومن يمتلكها يملك كلّ شيء فالصّحّة أجمل ثوب يرتديه الأسير، ولكن عنصريّة السّجّان سلبت ثوب عافية الأسير.

ومن الأسرى الذين سلب السّجّان ثوب عافيته وحرّيته الاسير منصور موقدة ، يبلغ من العمر 48 عاما من محافظة سلفيت ، أب لأربعة أبناء وهم ( رعد ، محفوظة ، وعد ، محمد ) كان يعمل قبل اعتقاله عسكريا في جهاز الأمن الوطني إلى أن اعتقله الاحتلال الصّهيوني في 3 / 7 / 2002 ، وحكم عليه مدى الحياة وأثناء اعتقاله أصيب من قبل الاحتلال بثلاث رصاصات أدت إلى إصابته بإصابات بليغة .

أصيب الأسير موقدة بالشّلل النّصفي نتيجة رصاصة غدر من الاحتلال في العمود الفقريّ ، وأخرى في بطنه أدّت إلى  إحداث تهتّك في الجهاز الهضمي في المعدة والأمعاء والمثانة ، أجريت له العديد من العمليّات الجراحيّة الصّعبة والمعقّدة أثناء اعتقاله نتيجة إصابته بالرّصاص في الأماكن العصبية الحسّاسة .

يعيش الأسير منصور موقدة على كرسيّ متحرّك نتيجة الشّلل النّصفي الذي يعاني منه ، ويعيش بمعدة بلاستيكيّة وأمعاء اصطناعيّة نتيجة التّهتّك في الجهاز الهضمي من رصاص الاحتلال . ويصطحب معه باستمرار كيسا للبراز ولا يستطيع التّحكم بالبول نتيجة تهتّك المثانة ، وهو يعتبر من أخطر الحالات المرضيةّ في سجون الاحتلال فهو دائما متواجد في عيادة سجن الرّملة والتي تعتبر مقبرة الأحياء .

يعاني الأسير موقدة من التّشنج المستمرّ وحالات من الاختناق تؤدّي إلى فقدان الوعي ، ويعاني من التقيؤ دما نتيجة استخدام المسكّنات ، وحالته تزداد سوءا نتيجة الإهمال الطّبي المتعمّد بشأنه ، فهو يتعرّض إلى وجود ورم غير معروف في الجانب الأيمن أسفل رقبته، تسبّب في تدهور في صحّته بشكل كبير ونتيجة الإهمال الطّبي لم تتحدّد نوعيّة الورم، فهناك مماطلة بحقّه فلا يقدّم الاحتلال أيّ نوع من أنواع العلاج الحقيقيّ اللاّزمة لمرضه ولا يوفّر له الفحوصات اللاّزمة لمداواته ، ومن شدّة مرضه يطلق عليه زملاؤه الأسرى “الشّهيد الحيّ”، فالاحتلال لم يلتزم باتفاقية جنيف الرّابعة المادّة( 90 ، 91 ) والتي كفلت حقّ العلاج والرّعاية الطّبية وتوفير الأدوية المناسبة للمرضى وإجراء الفحوصات الطّبية الدورية لهم. فعيادات السّجون تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الخدمات الصّحية والأدوية،  والأسرى المرضى يستعملون فقط حبة الأكامول كعلاج لأيّ مرض . فالأسير منصور موقدة قد يموت في أيّ لحظة لذلك أوصى بوصيتين . الأولى : “الموت أصبح أهون من الحياة علينا وإذا لم يطرح ملفّ المرضى سياسيّا والعمل والضّغط لإطلاق سراحهم فإن سراحهم سيطلق جثثا لأنّ الوضع الصّحي والنّفسي لم يعد يقف أمام سياسة الموت البطيء التي نتعرّض إليها .

أما الوصية الثانية : أعلنت الحداد على نفسي لأني لا أرى نفسي إلاّ في الطريق إلى الموت فأطلقت ذقني ولم أعد أحتمل الألم والوضع القاتل الذي نمرّ به أنا والأسرى المرضى . لم أعد أحتمل سماع الآلام تتصاعد من أعماق أجسادنا دون أن يسمعها أو يستجيب لها أحد .

أما عن عائلة الأسير موقدة فهي تناشد كل المؤسّسات الرّسميّة والشّعبية والحقوقيّة والمحليةّ والدولية والجمعيات التي تعنى بشؤون الأسرى وفي مقدّمتها لجنة الصّليب الأحمر للتدخل الفوري لإنقاذ الأسير موقدة والضّغط على الاحتلال من أجل الاهتمام به وإيجاد حلّ جذري لمرضه .

وتأمل زوجته أمّ الرّعد بأن يكون اسم زوجها مدرجا في صفقة إطلاق الأسرى نتيجة حالته التي تزداد سوءا كلّ يوم . فالاهتمام بملف الأسرى المرضى وإنقاذ حياتهم من العبث والاستهتار ووقف سياسة الموت المؤجّل بحقّهم واجب على كلّ ذي ضمير حيّ تبني قضية الأسرى المرضى ، حيث أنّ كل الشرائع السماوية والأرضية ضمنت حقوقهم واحترام إنسانيتهم وآدميتهم.

إنّ المعتقلات ما هي إلاّ منازل البلوى وقبور للأحياء. والأسرى يحبون الحرّية ويحبون الموت إن كان طريقا لحريّة أوطانهم ، إنّهم الجرح النازف لفلسطين. ويوما ما سيخرجون من القيود إلى الحياة وسيندثر قهر السّجّان ليخرجوا من الظّلمات إلى الّنور.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى