بقلم : هبة الجندي
ابتدع أبطال الشّعب الفلسطيني -ولا زالوا يفعلون- أمثلة وأصنافا عديدة من المقاومة، فبالحجر أو القنبلة، بالحزام النّاسف أو الدّهس، بالطّعن أو حتّى بابتسامة! سيظلّ هذا الشّعب قادرا على الوقوف في وجه المحتلّ بكلّ ما رضع من انتماء وصمود وما تعلّم من ثبات وما كبر عليه من يقين بالعودة والانتصار عاجلاً أم آجلاً.
وننهي حصاد هذه السّنة بقصّة من قصص الاستمراريّة التي تؤكّد بأنّ البوصلة ما تغيّرت وجهتها ولا زالت تشير إلى فوهة البندقيّة كطريقة لتحرير القدس وكافّة الأراضي الفلسطينيّة، وهذه القصّة هي قصّة الأسيرين أنس شديد وأحمد أبو فارة اللّذين أضربا عن الطّعام ما يزيد عن التّسعين يوما، لينهيا إضرابهما قبل أيّام قليلة بعد أن انتصرت إرادة الأمعاء الخاوية على قمع السّجّان وعنجهيته.
تسعين يوما قضاها الأسيران وهما يشدّان بحزام الصّبر على خاصرتيهما، ويتجرّعان طعم الملح على شفاههما، ارتخت العضلات وثَقُل الجسد الذي زاد نحولا يوما بعد الآخر، راحت الخلايا تطلب الطّعام فلا تجده وتنشد المعادن والفيتامينات فلا تلقى غير صوت صاحبها يقول :” اصبري .. وجوعي في الأسر … لتتلذّذي لاحقا بالحرّيّة”.
ذلك اليقين لاقى ثماره بعد حين، فبعد مماطلات متكرّرة من المحكمة الصّهيونيّة المزعومة ومحاولات لإحباط عزيمة الأسيرين ومحاولة ردعهما عن الاستمرار بالإضراب، فإنّها اضطرّت صاغرة للإذعان ومنح الأسيرين حكم الإفراج بعد تجديد الاعتقال الإداريّ لمرّة واحدة ولمدّة أربعة أشهر فقط.
وبعد دراسة الأسيرين للأمر واستشارة المحامية المسؤولة عنهما، تمّت الموافقة على حكم التّجديد لمرّة واحدة وحسب، والتّوقيع على ذلك، وهذا يعني أنّ على عائلتي الأسيرين أن تبدآ بتحضير مراسم الاستقبال للبطلين المنتصرين على عتمة السّجن.
ويحاول الاحتلال قدر الإمكان العمل على كسر عزيمة الأسرى وإحباط الإضرابات الطّويلة التي يخوضونها، لمنع تكرارها ومحاولة اجتثاث التّخطيطات المستقبليّة لعمليّات إضراب جماعيّة، ويمارسون خلال فترة الإضراب على الأسير الضّغوطات النّفسيّة والعصبيّة في محاولة لجعله يعتقد أنّه وحيد وأنّ إضرابه سيفشل وأنّ الرّضوخ لمطالبه أمر بعيد المنال، كما أنّهم يعزلونه عن أهله ويلغون زياراته لئلاّ يتمكّن الأهل من نقل المعاناة التي يتعرّض إليها ابنهم، ناهيك عن التّعتيم الذي يشمل بادىء الأمر جهات الإعلام المختصّة والمهتمّة بالشّأن الفلسطينيّ العامّ والأسرى بشكل خاصّ.
لكنّه ديدن الكون الذي لا يتغيّر، سينتصر الخير على الشّرّ في النّهاية .. والنّور على العتمة ولو كان الاثنان في نفق ضيّق .. وينتصر الصّمود على العنجهيّة والاحتلال … وستنتصر الإرادة على وضاعة الاحتلال … وسينتصر الأسير الفلسطينيّ على السّجّان.