بقلم : محمد عتيق
طرقات الأبواب تصدح بضجيج مدوّ وفي فتحة “الأشناف” المغتصبة توضع صواني الطعام التي لا تسمن ولا تغني من جوع يقدّمونها لنا لاستمرار الحياة فقط هناك من خلف الباب صوت يأمرنا بأخذ الوجبات ليعلن وقت الغداء.
وما يلبث أن يمرّ من الوقت نصف ساعة حتّى تطرق الأبواب مرّة أخرى ليجيء صوت يأمرنا بإعادة الصّواني والسّؤال إن كنّا نريد التدخين أم لا فيسمح لنا بسيجارتين بعد الغداء ومن شدّة الملل فإنّه لا بأس بأخذ أربعة سجائر لتغيير الرّوتين القاتل وبعد أن يشعل السّجّان إحداها يأمرنا بإشعال باقي السّجائر من نفس السّيجارة.
يجلس كلّ منا ينظر إلى السّيجارة تلو الأخرى وهي تحترق لعلّها تغّير ممّا نحن فيه، وفي لمحة بصر تحترق السّجائر الأربع فلا يكون هناك وقت كاف لتغيير روتين الملل، وقبل نهاية السّيجارة الأخيرة نجلس متسمّرين لعلّنا نخرج بشيء يطيل هذا الحال، من المضحك أن امتلاكنا لبعض الأدوات التافهة كان يساعدنا على قتل الملل وسرقة ساعات من الحياة لمساعدتنا على مرور اليوم، فقد كنّا نمتلك بعض المحارم الورقيّة نقوم بلفّها على شكل منظر الفتيلة ونقوم بإشعالها من نفس السّيجارة الأخيرة ونرفعها باتّجاه فتحة الهواء في سقف الزّنزانة وفي غضون أقلّ من عشر دقائق بدأنا بسماع أبواب الزنازين تطرق بسرعة حتى فُتح باب زنزانتنا وفي ذلك الوقت دخل السّجّان زنزانتنا ليسأل إذا أشعلنا الفتيلة التي رأى أثرها على الأرض و لم يستطع تحديد مصدر إشعالها من قبل لأنّ كلّ فتحات الهواء في الزّنازين مربوطة ببعضها البعض حيث مُلئت الزّنازين برائحة الدّخان وبعد مناوشة كلاميّة عاد من حيث أتى.
في الليل قُدّمت لنا وجبة العشاء وبعد جهد النّهار ومصارعة السّجّانين خلدنا للنّوم وبعد عدّة ساعات وحين كنت نائما على البرش الإسمنتيّ العلوي، هوجمنا فجأة من حيث السّكون برياح الغدر تعصف بنا فوجدنا أنفسنا مصلوبين على حائط الزّنزانة بعد أن تسلّلوا إليها كالجرذان دون صوت، صحونا ونحن محمولون من قوّة اقتحاميّة اقتحمت الزّنزانة وبدأت بتفتيشنا جسديّا والكترونيّا وتفتيش الزنزانة التي لا نملك فيها سوى فرشتين وبطّانيتين، امتلأت الزّنزانة بجرذان الاحتلال بحيث أصبح من الصّعب الانتقال من مكان إلى آخر يحملون المصابيح اللّيليّة البيضاء المزعجة حيث كان هدفهم زرع الإرهاب والخوف لأنّنا لم نسمع صوت الباب عندما اقتحموا زنزانتنا، ولكنّ جميع الأسرى سمعوا صوت إغلاق الباب عند انسحاب الجرذان.