بقلم : أحمد سعد
” لماذا تكتب عن الأسرى ؟ ” لم يغادر هذا السّؤال خاطري أبدا، كما أنّي أفضّل دائما الصّمت عن الإجابة ولكنّني اليوم سأوضّح أهمّ الأمور:
لا يعلم الكثير من الصحفيّين أو من يطلق على نفسه صحفيّا أنّ الكتابة عن الأسرى في زمننا هذا لا تحقّق شهرة لانّ العربيّ أصبح بعيدا تماما عن القضيّة، ولا تمنح أموالا طائلة كما يعتقد الكثير لأنّه وببساطة لا تأخذ الرّيح شيئا من البلاط، فأهل فلسطين في أشدّ الحاجة إلى كلّ مال يصرف على الصّحفيّين للكتابة عن الأسرى والأقصى.
رسالتي هذه المرّة ليست للأسرى بقدر ما هي للصّحفيّين العرب، ذات مرّة قال لي أحدهم “طبعا انت مظبّط نفسك في فلسطين يا إمّا تبقى خايب ده انت هاتكسب من وراهم فلوس كتير”، وقتها شعرت بمدى حقارة الشّخص ذي المنصب الرّفيع في إحدى المؤسّسات الصّحفيّة الكبرى، فأن تصل بنا الحال إلى أن تصبح قضيّة الأسرى مجرّد مكسب ماليّ لا أكثر ولا أقلّ فذلك لأنّنا أصبحنا بلا شرف.
ما دفعني إلى الكتابة عن الأسري هو ذاك الوجع الذي شعرت به حين تذكّرت نفسي وأنا فى المرحلة الابتدائيّة عندما استُشهد الطّفل محمّد الدّرّة رحمة الله عليه وخرجنا فى تظاهرات عارمة رغم صغر سنّنا لنقول للعالم كلّنا الدّرّة وإنّ القضيّة فينا ولن ننساها، واليوم يموت الأطفال تباعا ولم أر مدرسة واحدة في بلدي نظّمت ولو ندوة تعريفيّة صغيرة للأطفال تذكّرهم بقضيّتهم الأولى.
ذاك الخزي الذي شعرت به هو الدّافع الأهم والأكبر للكتابة عن القضيّة وتحديدا عن الأسرى، نحن آخر جيل يعرف شيئا قليلا عن فلسطين، فالأجيال التي لم تخرج تضامنا وتفاعلا مع ما يجري في فلسطين سأسأل عنها أمام الله لأنّ من واجبي أن أكتب وأذكّرهم بما يحدث وبالقضيّة كلها.
اخترت أن أستبعد وبصورة كبيرة كلّ المسؤولين إلاّ للضرورة القصوى إذ لا يستحقّ أحد منهم أن يتحدّث عن القضيّة ويظهر يوميّا على الشّاشات ويتاجر بأسرى بلده وعروبته مقابل حياة آمنة خارج فلسطين وبعض من الدّولارات إلاّ من رحم ربّي، لن أقتنع بمسؤول سوى ذاك الذى سيمسك بيده حجرا ويخرج مع الشّباب يلقّن الاحتلال درسا لن ينساه ويعتقل مرّة واثنين وثلاثا، وليس مرّة واحدة ويبدأ على إثرها بجمع المال.
اخترت أن يكون أبناء الشّعب مصادري، فكثيرا ما سمعت من المسؤولين أنّهم خونة باعوا أراضيهم وباعوا ممتلكاتهم ولا يستحقّون الدّفاع عنهم لأثبت للجميع أنّ الحقيقة عكس ذلك تماما.
ذات يوم سألوني في الإذاعة: ماذا تقول للصّحفيّين العرب؟ فأجبت: نحن نقول بالمصري دائما ” إلّي مايحسّش على دمه مش انا إلّي هاجى أقوله حس “، بمعنى أدقّ أنّ من لا يشعر بأنّه فقد شرفه لا شرف له حتّى أذكّره به، فعلى مسؤوليّتي الخاصّة أقولها ” لا شرف لقلم لم يكتب عن أسير”.
وأخيرا وليس آخرا أقول لأسرانا في سجون الاحتلال أنتم أبطال ولستم فى حاجة لأن يكتب عنكم أحد، فيكفيكم أنّكم بعين الله الذي لا يترك من دافع عن كلمته، لا تخافوا ولا تحزنوا فأنتم بأعيننا.