بقلم : فاطمة سباعنة
تعيش زوجات الأسرى العديد من المشاكل والمعاناة فبحكم غياب الزّوج تقع على كاهلهنّ الكثير من المسؤوليّات ولكن أثقلها حملا وهمّا أن تنجب الزّوجة بغياب زوجها ..
يترك بعض الأسرى زوجاتهم يحملن في أحشائهنّ أطفالا في أشهر الحمل الأولى أو الأخيرة ..
تبدأ الزّوجه مشوارا طويلا من الحمل تعدّ فيه أيّاما وليالي تمرّ ثقيلة كأنّها دهر، تتمنّى وجود الزّوج بجانبها خصوصا إذا كانت تعيش ذلك الحمل للمرّة الأولى إذ أنّها تتعرّف على التّفاصيل من خلال هذه التّجربة الأولى من ظهور الحمل وما يصاحبها من تغيّرات.
تريد أن يكون معها لكي يشاركها لحظات نموّ ابنهما وحركاته ونوعه ووزنه وطوله ومتى يأتي إلى الحياة وماذا سيشتريان له وماذا سيرتدي مولودهما ؟؟
كلّ هذه الأسئلة مررت بها من خلال تجربتي أثناء ولادتي لمرّتين بغياب زوجي الأسير وخضت مخاضين كانا من أصعب ما مررت به … لم تكن الصّعوبة صحّيّة أو جسديّة، وإنّما كانت نفسيّة… كيف أضع مولودي البكر بغياب والده من سيؤذّن بأذنه ؟؟ من سيحمله لأوّل مرّة ؟؟ ومن سيختار الاسم لابنتي الأولى أيضا؟؟ مجموعة من الأسئلة كانت كفيلة بأن تجعلني أستعيد قوّتي ليس من أجلي بل من أجل جنيني حتّى أحافظ عليه لا لشيء إلاّ لأنّه هديّة من المولى منحني إيّاها وأمانة من زوجي أحافظ عليها حتّى تحرّره لنستكمل معا تربيتنا لأطفالنا …
ولكنّني هنا وبعد الإفراج عن زوجي بدأت المخاض الحقيقي وهو تعرّف الأسير المحرّر على ابنه البكر وعلى ابنته وتعرّفهما على والدهما ..إنّها مرحلة من أصعب مراحل الطّفولة، صعب على طفلي وطفلتي أن يرياني مع رجل لم يتعوّدا عليه معنا ولم يشاركنا شيئا ..صعب على عقل طفلتي أن ترى هذا الرّجل الغائب قد عاد وطلب منها ومن إخوتها طلبات بسيطة ولم يلبّوها .. صعب على طفل تعوّد أن يطلب كلّ شئ من والدته: مصروفه وأشياءه ودراسته وطعامه… أن يأتي هذا الرّجل الغائب ليلبّي له كلّ هذا…صعب على عقل طفلة تعوّدت على كلمة بابا تلفظها ولا تعرف معناها …وصعب أيضا على هذا الرّجل الذي عاد إلى بيت انضاف إليه طفل له شؤونه وخصوصيّاته وطلبات لم يألفها هذا الأب…صعب على هذا الرّجل الذي يتمنّى أن يحضنهم ويغدق عليهم بحنانه حين ينامون إلى جواره، لكن حالت بينهم تلك المسافة الفاصلة، الاسم الآخر للأسر ..صعوبات مررنا بها، كان مخاضا من نوع آخر أن يتقبل كلّ منّا الآخر طفل أباه والأب أطفاله والأمّ أن تتقبّلهم معا عائلة واحدة تجمع شملها بعد طول غياب.