حروف على أعتاب الحرية

حديث القمر

 

 

بقلم: أ. نواف العامر

ملح الأرض أنتم، مغيّبون في الجُبّ وبطن الحوت، تواصلون دورة الحياة زهراتٍ ناطقة على جدران الصّمت لا تعبئون، تأبون الانكسار وأنتم مقيّدون في زمنٍ ارتفع فيه رأس كل عاقرٍ عقيم وخوّان كفور، ترسمون خطوط الصّمود وحدود الوطن المغدور لوحات انتصار، لم تتوقف شفاهكم عن رسم ابتساماتٍ تبعث الأمل ألواحًا من الصّبر.

ملح الأرض أنتم، قلوبكم تنبض بالحياة، تشقّون رحم الصّخر، فتنزاح طبقاته عن الماء سلسبيلًا، جوعكم للوطن وشوقكم احياءه وأزُقة مخيماته ودخان “الطابون” الذي لا زال ينبعث يحلق هنا وهناك بتواشيح تتواصل، ملحكم “صدأ” في “حديد” عدوكم وقيوده، شيئا فشيئا وتكون النهاية.

كم هو عذب صوت القرآن يصدح من حناجركم وترانيم الأذان يدوّي بالتكبير والتهليل، تعلو رويدًا رويدا تخترق الجدران “ولبث في السجن بضع سنين” كلها آيات الفجر القادم نراها في عيون سامر العيساوي ونائل البرغوثي وحسن سلامة ومروان البرغوثي واحمد سعادات وعمار الزبن وعبد الله البرغوثي وعبد الناصر عطا الله وباسم الخندقجي والقائمة تطول وتطول..

لا تدعوا اليأس يتسلّل إلى صمودكم فإنما هي لحظة صبر أقوى من الحبر الملوّث والأصابع المرتجفة والأوراق المهترئة والأقنعة والوجوة المتزاحمة، أقوى من كلّ اتفاق وإنفاق ونقاق فأنتم الأشواق.

يا وجعنا المنكوء مع كل زيارة وغارة ينزف ألما وحرقة ودما، يا صوت الأمل المطارد في غابات الوطن المأسور، يا صوت القسّام في أحراج يعبد، يا صوت الحسيني في الأقصى يتردد، يا صوت الزير وجمجوم وحجازي والسعدي في عكا تجدد، يا صرخة العياش بالثأر في من تبلد، صبركم يفوق كل صبر، وعيونكم بريقها يفضح الأوباش وطبقات الخانعين وقاموس التابعين الذيول.

يا وجعنا السرمدي لن نغرس الخناجر في صدوركم، ولن تصبحوا لقطاء في زمن الانحناء، دمنا يسقي عروقكم ودمعنا يروي نبتكم، تملأ الحقول زهرًا وسنابل، لتعود البسمة لوجوه الأمهات شوقًا وتسري الدماء ضاحكة بعروق الآباء ويعود أطفالكم أطفالنا “نحلات البستان” يبحثن عن الرحيق ويجنين العسل.

يا ملح الأرض، أنتم الذاكرة وفيها ومعها وبها، نفرشها لكم، لخطاكم، أرائك عليها تجلسون، تحملون معكم بقايا “الابراش”، تجوبون في خلايا دماغنا وأوردة قلوبنا في شوارع الوطن لن تكونوا يومها أشواكا مبعثرة، كلكم أيوب الذي نادى: “ربّ إني مسّني الضر وأنت ارحم الراحمين”.

يا ملح الأرض ستعودون عبر الجبال والآمال وجدائل الأمهات ودمعات الصبايا وبراءة الطفولة، يومها سيهزم الجمع ويولّون الدّبر، ومن المقدور لا ينجي الحذر يا أشواق الحرية….قدرنا أن ننتصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى