بقلم الكاتبة : تمارا حداد .
أسرانا يا نوارس الجنان ، يا طهارة دمائنا ، يا شموخ سمائنا ، في زمن النّفاق أصرّوا على نضالهم أحرارا وشرفاء ، صبروا على التّنكيل والتّعذيب ليعطونا مثال الصّبر في أذهاننا . يا أسرى الرّباط يا أسودا شامخة خلف القضبان ، ياشبابا في عمر الزّهور ذاب ولكنّه رفض الانكسار. يا من دفعتم حياتكم ضريبة العزّ والانتصار ، تحملون أرواحكم على أكفّكم من أجل تحرير الأوطان ، أسرانا القدامى ستظلّون خناجر مغروسة في خاصرة الاحتلال.
يعرف في قاموس الحركة الأسيرة الفلسطينيّة مفهوم “الأسرى القدامى” بأنّهم المعتقلون منذ ما قبل “أوسلو” وقيام السّلطة الفلسطينيّة وعددهم 30 أسيرا.
ويعتبر ملفّ “الأسرى القدامى” من الملفّات المؤلمة لأنّه ملفّ تجاوز الخطوط الحمراء في اللاّإنسانية، لذلك هو حاضر وسيبقى مفتوحا للكلّ الفلسطيني وعلى كافّة الأصعدة ليحظى باهتمام الجميع. إنّه ملفّ يحتاج إلى الضغط على كافّة المستويات من أجل الإفراج عنهم .
يقبع الاسرى القدامى في السجون الصّهيونيّة في ظروف اعتقاليّة صعبة حيث أن الاحتلال لا يرى لأعمارهم أيّ اعتبار ولا يراعي أوضاعهم الصّحية، حيث أن قصص الأسرى القدامى تحتاج إلى الآلاف من المجلّدات لتصبح رواية لكل أسير فلسطيني تتناقلها الأجيال لتروي معاناتهم مع السّجّان والظّلم المسلّط عليهم وإظهار حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانيّة التي كفلتها الشّرائع السّماوية والأرضيّة.
رغم أنّ هناك صفقات تبرم مع الاحتلال لإخراج الأسرى القدامى فإن الكيان الصهيوني لا يفي بعهوده ، إذ هنالك 16 أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن وبشكل متواصل. وهناك عدد منهم يعاني من أمراض كثيرة نتيجة الأهمال الطّبّي المتعمّد فمثلا الأسير علاء الدين أحمد بازيان الذي يعتبر سادس أقدم أسير مقدسي قد فقد بصره داخل السّجن ناهيك عن الأمراض الأخرى. والكثير من الأسرى القدامى يحتاجون إلى إجراء عمليّات جراحيّة وخطيرة، ولكن هناك مماطلة من قبل الاحتلال في إجرائها والقيام بالفحوصات اللاّزمة مع التّسويف في تقديم العلاج. ويتم الاعتداء على الأسرى القدامى بالغاز أثناء مداهمة غرفهم التي تملؤها رطوبة تؤذي صدورهم.
قضيّة الأسرى القدامى شاهد على ممارسة الاحتلال وانتهاكاته الصّارخة بحق الأسرى القدامى متمثّلة في التّغافل عن حقوقهم بزيف ديمقراطيّة تغذّيها عنصريّة همجيّة لا تحسب للأبعاد الإنسانيّة والقانونيّة أيّ حساب.
أعمارهم تحترق لأجل حرّيّتهم، وعلى الجميع الالتفاف حولهم كواجب إنساني وديني وأخلاقي يحتّم على كلّ ضمير حيّ تبنّي هذه القضيّة العادلة من أجل إطلاق سراح الأسرى القدامى الذين قدّموا الغالي والنفيس من أجل انجاز المشروع الوطني الفلسطيني والحصول على دولة فلسطينيّة وعاصمتها القدس الشّريف.
هم الأسرى القدامى صامدون في وجه الأعادي لا يركعون، شموخهم عال، هم أسود رابضة، في مقدّمتهم الأسيران كريم يونس وابن عمّه ماهر يونس اللّذان اعتُقلا منذ عام 1983. ومن بينهم 21 أسيرا حكمهم السّجن المؤبّد (مدى الحياة ) لمرّة أو لمرّات عدّة، تسعة أسرى يقضون أحكاما متفاوتة ما بين ( 30 – 45 ) سنة، منهم 14 أسيرا من المناطق المحتلّة.
وللأسرى القدامى حكايات صبر ومعاناة، فمنهم من أمضى من عمره في السّجن أكثر ممّا أمضى خارجه ومنهم من ترك أطفاله صغارا ومنهم من كبر أبناؤه وتزوّجوا دون أن يحضر حفل الزّفاف، ومنهم من فقد والديه أحدهما أو كلاهما دون أن يلقي نظرة الوداع ومنهم من نسي ملامح أصدقائه وجيرانه وأقربائه ومنهم من حُرم من زيارة الأهل.
داخل السّجون ذابت أجسادهم في ظلّ الظّروف القاسية والمعاملة غير الإنسانية والاستفزازات من مداهمة الغرف ومن عمليّات التّفتيش وعزلهم في الزّنازين الانفراديّة، ناهيك عن معاناة التّنقّل من سجن إلى آخر ومؤخّرا كُسرت ذراع الأسير الفلسطيني عميد الأسرى نائل البرغوثي أثناء نقله من سجن إلى آخر عبر البوسطة وهو يقبع في السّجون منذ 34 عاما.
جرح نازف لأرض البوادي، رجال احترقوا لأجل الوطن الغالي، نسجوا خيوط المجد من أرض فلسطين وقلوبهم تنادي، يا مفخرة الشّرفاء والغوالي.