إلهام الأسر

من خلف الخطوط

 

إعداد وتقديم: هبة الجندي

إنّ السّؤال الأوّل الذي تبادر إلى ذهني فور إنهائي قراءة رواية “من خلف الخطوط” للأسير عمّار الزّبن هو هل تتمّ ترجمة الرّوايات العربيّة المماثلة الى العبرية أو الإنجليزية بحيث يتم ايصالها إلى فلسطين وتحديدا أراضي ال48 المحتلة .. وتحديدا إلى عتبة البيت الذي يجلس والدا الجندي الصهيوني القتيل نحشون فاكسمان فيه؟..لأنه – وان كانت الإجابة عن هذا السّؤال بنعم – فعليهم أن يكونوا قد عادوا طوعا الى أمريكا من حيث أتوا، وان كانت الإجابة ” لا ” فعلى أحدهم ان يفعل!

هذه القصة التي ستجعلك حاضرا فيها وكأنّك عدت بالزّمن للعام 1994، إذ ستنقطّع أنفاسك حين يصل المجاهدون الأربعة إلى حاجز الرّام في القدس في إحدى الصّفحات، وستبكي كما لو كنت طفلًا فلسطينيّا وأنت تقرأ الصفحة التي يُعذب فيها الأسير زكريا نجيب، سينظر إليك الجالسون من حولك باستغراب وانت تُكبر بحماسة دون أن تنتبه لهم أو تهتم وأنت تقرأ أن عملية الأسر قد تمت بنجاح أخيرا، ستبتسم وانت تعرف من إحدى الصفحات أن طفلًا صغيرًا تزعم موقفًا ضخمًا وأصبح رجل الساعة في وقت ما في غزة.

لكن الأكثر أهمية من كل ذلك هو أنك ستخرج منها بعقل أكثر نضجا من ذاك الذي بدأت به، فتلك الحوارات السياسية المفصلية التي يطرحها الزبن هنا وهناك عن ديمغرافية مناطق التقسيم في الوطن المحتل، عن العلاقة المنشودة بين السلطة الفلسطينية وأبناء شعبها من جهة وعن علاقتها المرفوضة مع العدو من جهة أخرى، عن خروجك من قمقم البيت والشارع والحي وادراكك بأن الفكرة تشمل الوطن كله لا بعضه.

إنّه كتاب يعلّمك أن تفكر أبعد من أنفك بأمتار بعيدة، اذ تعلم يقينا أن الطريق إلى التحرير لا يمكن ان يأتي بجرة توقيع أو بمصافحة يد أو بإبتسامة ود صفراء، لكنه طريق واحد لا بد ان يكون للصامدين الأقوياء وحسب، الذين يعرفون أن المضي فيه محفوف بالتضحيات كما المخاطر تمامًا.

لم تسر عملية خطف “فاكسمان” كما خطّط لها العيّاش والضّيف، وكما نفذها الأبطال “طارق أبو عرفة، وراغب عابدين، وصلاح جاد الله، وعبدالكريم المسلماني” وحسن النتشة (وهم أبطال الرواية )”، ولكنها حققت الكثير في فضاءات ثلاث؛ اذ سكبت الزيت في قنديل الأسرى الذين علموا مع توهج أشعته أنهم ليسوا منسيين وأنهم على رأس أولويات المقاومة، وأخزت باراك ورابين في فضاء آخر وزعزعت ضعف الموقف السياسي الصهيوني أمام الرأي العام وعائلات أسراهم، وأخيرا زادت مبيعات حلوى ” الكنافة” النابلسية في أرجاء فلسطين لليال عدة فرحا وابتهاجا بالخبر.

هذه دعوة لاقتناء الرواية التي أصبحت تُعتبر مرجعا تاريخيا موثقا لشهادات كل أولئك الأبطال الأحياء هنا أو في جنات الخلد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى