إلهام الأسرواقع السجون

” عمليّات الثأر المقدس”

تقديم كتاب

بقلم : حلا خليل

يزداد وهج الألم والحزن في نفوسنا ويتعمّق الجرح فينا أكثر فأكثر ونحن نقرأ الإحصائيّات الأخيرة التي تؤكّد تزايد أعداد الأسرى في سجون الاحتلال … فكلّ عام تتضخّم يد الاحتلال التي تحاول أن تحجب الشّمس عن عيون الأسرى .. وعيون أصحاب البلاد!

فلا يكفي أن يقتصر اهتمامك بهذا الملف الذي يعتبر الأكثر سماكة من بين ملفّات الشّأن الفلسطيني، على تتبّع الأخبار والتّعاطف الحسّي والمعنوي والمادّي كذلك، دون أن نغفل أهميّة ذلك ووقعه على الأسرى والأسيرات الذين يقهرهم الاحتلال مرّة ويقتلهم الصّمت مرّات. ولعلّ الكتب التي صارت تصدر تباعا من بين قضبان الزّنزانات، والرّوايات التي تحمل قصص أصحابها ومعاناتهم، أو حتّى قصصا خياليّة نُسجت بعناية في اللّيل الطّويل على مهل، فقد يفاجئك المدى الواسع والأفق البعيدة التي يستطيع أن يسافر إليها الأسير مؤكّدا أنّه حرّ مهما علا رنين القيود في معصميه.

لماذا نقرأ كتب الأسرى ورواياتهم ؟

نقرأ لأنّنا بذلك الفعل نحاول أن نعايش المرارة التي تحيط بالأسرى، أن نتذوّقها معهم كما يفعلون في كلّ لحظة، أن نلمس واقعهم الذي يعيشونه يوما بيوم، رغم أنّنا مهما عايشنا تلك اللّحظات سطرا بسطر وكلمة بكلمة فلن نتمكّن من فهم الشّعور الحقيقي، وذلك لأنّنا نعيشه لساعات قراءتنا للكتب والرّوايات وحسب، وسرعان ما ننساه بعد دقائق حين نعود لصخب حياتنا … إلى التلفاز أو زيارة صديق أو الجلوس لساعات على هواتفنا الذّكيّة، فيما يعود الأسير إلى صفحات روايته من جديد، كبطل حقيقي لم يعد يدري؛ أيكتبُ أم يُكتَبْ.

نقرأ لأنّ في قراءتنا لهم سنعزّز مخزون المعطيات التي تضع الأمور في نصابها السّليم في زمن الاشتباه والوجوه الكثيرة، فالاحتلال هو الاحتلال، والأسير هو البطل، والخائن محتلّ ولو استتر!

نقرأ لأنّ معاناة الأسرى تستحقّ أن تُعاش ما داموا اختاروا الأسر لكي نعيش ويعيش الوطن، وهذا يضعنا أمام حقيقة واحدة؛ وهي أنّنا إن اخترنا أن نغمض عيوننا عمّا يحدث لهم أو نخفي رؤوسنا عنهم فذلك ليس سوى تقصير نختاره بأيدينا لا عذر لنا فيه على الإطلاق.

ماذا اخترنا لكم؟

اختارت “سراج الأحرار” هذا الشّهر تجربة من تجارب الأسرى لنقرأها معا وهو كتاب “عمليّات الثّأر المقدّس”، الذي يتحدّث عن عدد من العمليّات التي قام بها أبطال المقاومة الفلسطينيّة على مختلف الأصعدة، وقد انطلقت التّسمية للمرّة الأولى عام 1996 إثر اغتيال الشّهيد المهندس يحيى عيّاش الذي كان قد أقعد الاحتلال على ركبتيه بعد سلسلة من العمليّات النّوعيّة التي ساهمت في تعزيز دور المقاومة ونقل إرثها البطولي الحماسي من جيل إلى آخر.

يحتوي الكتاب على تفاصيل العمليّات التي خاضها الأسير حسن سلامة، بعد أن تمّ اغتيال المهندس وبدأت المقاومة بتوجيه الضّربات والصّفعات واحدة تلو أخرى للاحتلال الصهيوني، لإيصال رسالة واحدة كبيرة مفادها أنّ عيّاش ليس سوى فرد وجندي من جيش عظيم يدعى جند فلسطين، وفي صفحات الكتاب يكتب حسن سلامة كيف أنّه انتقل من قطاع غزّة إلى الضّفّة الغربيّة لتنفيذ مهمّة الثأر والقصاص لدم العيّاش.

كان ذلك بعد أربعين يوما من استشهاد يحيى عيّاش، لتكون باكورة العمليّات ودرّتها عمليّة الاستشهاديّين مجدي أبو وردة وإبراهيم سراحنة، ويتبعهما الشّهيد رائد الشّغنوبي في الثّالث من آذار من العام نفسه (1996)، وقد كان لتلك العمليات الصّدى الكبير في نفوس الأسرى والمقاومين وكافّة أطياف الشّعب الفلسطيني، إذ شهدت مصرع ستّة وأربعين صهيونيّا وجرح ما يقارب 163 آخرين، ليدخل الاحتلال في حالة شلل تامّ بحيث تعطّلت أجهزته وعجزت عن اللّحاق بالتّجمّعات الشّبابيّة أو صدّ جهود المقاومة التي ما زالت حتّى اليوم واقفة على قدميها وفيّة لشهدائها وأسراها.

يغمرك الكتاب بشعور مميّز من الرّضا والقوّة والبأس، خاصّة عندما تجد أنّ هذه المقاومة قادرة على الرّدّ في أيّ وقت وفي قلب الاحتلال البائد، سترسم تحيّة إكبار لأولئك الأسرى الذين لا يتوقّف العطاء لديهم ولا ينقطع، فإن كانوا أحرارا جاهدوا بأرواحهم، وإن اُسروا جاهدوا بأقلامهم وبأسهم وصلابتهم وظلّوا مثالا لا تحجبه كفّ المحتل. وكأنّنا نستمدّ منهم المعنويّات والعزيمة لا العكس، ولهذا ننصحكم بقراءة هذا الكتاب ومراسلتنا على بريد الصّفحة للتّعرف على آرائكم حوله، ونرحّب باستقبال اقتراحاتكم الجديدة وقراءاتكم ومراجعاتكم حول كتب وروايات جديدة وُلدت حرّة في ظلمات الزّنزانة والقضبان.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى