(تجربة شخصيّة)
بقلم: بلال ستيتي
كثيرة هي الأساليب التي يتحدّى بها الأسير الفلسطيني محتلّه الذي يسعى إلى كسر إرادته وقواه النّضالية بأساليب مختلفة، ولكنّ أسمى هذه الأساليب وأنجعها على مدار تاريخ الصّراع ما بين السّجين والسّجّان هو الإضراب عن الطّعام سواء أكان الإضراب فرديّا أو جماعيّا.
لقد اضطُررت إلى خوض إضرابات متعدّدة في سجون الاحتلال وأضربت أيضا في مرحلة التّحقيق في مركز الجلمة بعد تعرّضي للتّحقيق القاسي وتدهور وضعي الصّحّي وفقداني القدرة على المشي بل إنّني أضربت حينها عن المحكمة فنقلوني بالقوّة لأنهم لا يستطيعون أن يعقدوا محكمة بدون الأسير حتى لو كان ميتا.
وخضت إضرابا آخر عندما تعرّضت إلى الضّرب بصورة وحشيّة ليلة نقلي من سجن مجدو إلى سجن النّقب نهاية عام 2007، ومكوثي ليلة في قبر ما يسمّى زنزانة توبورا وهي عبارة عن قبر حقيقي، وعندما وصلت إلى النقب وضعوني بقسم لا يناسب وضعي الصّحّي، ولا يوجد معي عكّازات فأضربت لكي أعيش مع أبناء عمّي ولكنّ الصّهاينة لبّوا جزءا من مطالبي ونقلوني إلى قسم آخر، وقام الاخوة الاسرى بخدمتي وحملي في تنقّلاتي، وأيضا اعتصمت في مقرّ الزّيارة لأنّهم رفضوا إدخال الملابس لي في الزّيارة كعقاب رغم وضعي الصّحّي وحقّقت مطلبي بحمد الله، فالإرادة والإصرار والنصر دوما للمقاتل المتشبّث بحقّه في الإنسانيّة.
وكنت أوّل من أضرب إضرابا فرديّا طويلا في العام 2009 في سجون الاحتلال، وكان ذلك في سجن مجدو للمطالبة بالعلاج والعيش بسجن فيه حمّام إفرنجي وحمّام داخل الغرفة، وتعرّضت إلى الكثير من الصّعوبات، وانتصرت بحمد الله وتمّ نقلي بعدها إلى سجن بئر السّبع ايشل، وبعدها بسنوات قام الشيخ خضر عدنان بعمل إضراب فردي وتمّ تسليط الضّوء عليه إعلاميا فنجح هو والإخوة الذين من بعده إلى يومنا هذا وآخرهم الأخ محمّد القيق فكّ الله أسره.
لجأ الأسرى في سجون الاحتلال إلى الإضرابات الجماعيّة منذ سبعينات القرن الماضي للحصول على مكاسب معيشيّة حيث كانت معيشتهم صعبة جدّا، فحقّقوا من خلال إضراب الجنيد ونفحة التّاريخيّين مكاسب كثيرة منها “الفرشات” والتلفزيون والتعليم والكتب وغيرها، وتوالت الإضرابات، وفي مرحلة متأخرة قام الأسرى بعمل إضرابات جماعيّة للأسف فشلت بسبب سوء تنسيق ما بين السّجون، والاختلاف ما بين آراء قيادات التّنظيمات الفلسطينيّة قبل الحصول على المكاسب التي يسعون إليها، وآخرها إضراب الإداريّين الجماعي ومعهم أيضا من المحكومين الذين اضطرّوا إلى إنهائه بسبب حرب غزّة في العام 2014.
أمّا عنّي فلم أحضر أيّ إضراب جماعي، بل حضرت تمرّدا من الأسرى وتلويحا بالإضراب في سجن ايشل في قسمي الذي كنت أعيش فيه حيث دخل ممثّل القسم إلى الغرفة بأمر من قيادته، وتمّ إخراج التلفزيونات قبل أن يتمّ إخراجها من قبل السّجّانين، وهذا يعني أنّ السّجّان سيتعامل مع الأسير مباشرة وهو بالمعنى الأوضح تهديد للسّجّان بأيّ شيء يمكن أن يقع له، وبعد ذلك طلبت الإدارة أن يتمّ إنهاء الأمر وتلبية مطالب الأسرى المشروعة.
ومن خلال تجربتي الشخصية، والقراءة بموضوع الإضرابات الجماعيّة، ورأي الكثير من الإخوة وخصوصا مع بدء إضراب جماعي في السّجون الصّهيونيّة فإنّي ألخّص رأيي الذّاتي في ما يلي:
1- تفعيل الإضرابات الفرديّة والجماعيّة للإداريين للمطالبة بالإفراج حيث أثتبتت نجاعتها، وللمرضى من أجل الحصول على علاج أو عناية خاصّة في العيش ووقت التّنقّل.
2- أن يكون هناك تنسيق مع المؤسّسات الإعلاميّة والحقوقيّة والرّسميّة الخاصّة بالأسرى في الإضراب لكي يكون هناك دعم خارجي إعلامي وميداني، فقد حدث ذات مرّة وأنا مضرب في سجن مجدو في عام 2009 أن كان أحد قيادات التّنظيمات مضربا بالزّنزانة التي بجانبي وكان إضرابه يومين واستطاع أن يوصل إضرابه إلى الإعلام، فجاء ضابط استخبارات السّجن ولبّى طلبه مباشرة وقال له : كيف علم الإعلام بالخارج بإضرابك؟ بينما استغرقت وقتا طويلا حتّى وصلت إلى مرحلة صعبة قبل أن يعلم العالم الخارجي بأمري.
3- تفعيل إضرابات المحامين عن حضور جلسات المحاكم، وإضراب الأسرى وخصوصا الإداريّين عن الذّهاب إلى المحاكم والتي هي قطعة من العذاب وخصوصا لمن يعيشون في سجن مجدو أو النقب بسبب النّقل بالبوسطة.
4- التّركيز على الإضراب الإيرلندي فالعدو يخاف أن يستشهد أحد الأسرى في الإضراب رغم محاولتهم استخدام التّغذية القسرية، فذلك الحدث حال وقوع قد يشعل انتفاضة في الخارج.
5- بالنّسبة إلى الإضرابات الفردية والتي هي مرفوضة نوعا ما من قيادات التّنظيمات الفلسطينيّة في الدّاخل والخارج، فهؤلاء يميلون إلى الهدوء والمحافظة على المكتسبات برأيهم، والواجب يقتضي منهم محاولة دعم الأسير المضرب فرديّا أو تأييده من بعيد على الأقلّ.
إنّ الاضراب ليس انتحارا كما يصفه بعضهم بل هو أقوى سلاح لكي تصارع الظّلم بأمعائك الخاوية، ورغم ضعفك وجبروتهم فإنّك تكون أقوى في تحدّيك للسّجّان بالإضراب، فالنّصر يتحقّق عندما تكون قويّا في المطالبة به.
واعلم أخي القارئ وأختي القارئة بأن الله يمدّ الأسير المضرب عن الطّعام بقوّة منه وطاقة هائلة، تشعّ حرّيّة وثباتا وإصرارا بأنّ الغد سيكون أجمل بإذن الله.