عين على السجونواقع السجون

حصانة النّوّاب بين تنكّر الاحتلال وتجاهل العالم

 

بقلم: رياض الأشقر


تضمّنت الاتّفاقيّات الموقّعة بين الاحتلال والسّلطة الفلسطينيّة عام 1994 الموافقة على إنشاء برلمان فلسطيني يُنتخب بطريقة ديمقراطيّة، ويقوم هذا البرلمان بفرز أعضاء حكومة لتسيير أمور المواطنين، على أن يحظى نوّاب الشّعب المنتخبين والوزراء بالحصانة البرلمانيّة التي تتيح لهم حرّيّة الحركة والتّنقّل بين أجزاء الوطن دون تضييق أو اعتقال أو اعتداء.
وفى عام 2006 أُجريت الانتخابات البرلمانية وشهد العالم بأسره على نزاهتها، وأفرزت أغلبيّة لكتلة التّغيير والاصلاح، ولكنّ الاحتلال كعادته تنكّر لتلك الاتّفاقيات ولم يحترم نتائج الانتخابات، وصعَّد من عدوانه ضدّ النّوّاب المنتخبين في رسالة مفادها بأن لا أحد يمتلك الحصانة من الاعتقال.
تعرّض نوّاب كتلة التّغيير والإصلاح في المجلس التّشريعي إلى حملة قمعيّة طالتهم جميعا دون استثناء بمن فيهم رئيس المجلس التّشريعي  د.عزيز دويك”، وعددهم 57 نائبا تعرّضوا جميعا إلى الاعتقال وبعضهم لعدّة مرات، وكان آخر من اعتقل هو النّائب “سميرة عبد الله حلايقة” من الخليل وهى آخر نوّاب الكتلة الذين طالهم سيف الاعتقال والتنكيل.
تأرجحت أعداد النّوّاب المختطفين في سجون الاحتلال بين الارتفاع والانخفاض حسب الأوضاع الميدانيّة في الأراضي الفلسطينيّة، ولكن لم تخل السّجون منذ عام 2006 من وجود نوّاب معتقلين، فلا يكاد  يمرّ شهر إلاّ ويقوم الاحتلال باعتقال عدد من النّوّاب وإخضاعهم إلى الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة عادلة، وتجديد الإداري لهم لفترات اعتقاليّة جديدة، وبعد الإفراج عن عدد من النّوّاب، يقوم الاحتلال بإعادة اختطافهم مرّة أخرى بعد أسابيع أو شهور، ليعودوا مجدّدا إلى مسلسل الاعتقال الإداري.
وقد وصلت أعداد النّوّاب المعتقلين إلى أقلّ نسبة لها قبل اندلاع انتفاضة القدس أكتوبر/2015 حيث بلغ عددهم ثلاثة نوّاب فقط، بينما صعّد الاحتلال بعد ذلك التّاريخ من استهداف النّوّاب بالاعتقال، فوصل عدد النّوّاب الأسرى الآن إلى 12 نائبا.
ويخضع 8 من نوّاب التّشريعي الأسرى إلى الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، بينما هناك ثلاثة نوّاب فُرضت عليهم أحكام فعليّة، منهم النّائب “مروان البرغوثي” عن حركة فتح وهو معتقل منذ 2002، ويقضي حكما بالسّجن المؤبّد 5 مرّات، والنّائب “أحمد سعدات” عن الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، المعتقل منذ عام 2006، وهو محكوم بالسّجن 30 عاما، بينما النّائب “محمد أبو طير” فهو محكوم بالسّجن لمدّة 17 شهرا، بينما لا تزال النّائب “سميرة الحلايقة” موقوفة وقد تأجّلت محاكمتها 7 مرّات.
ويسعى الاحتلال من وراء اختطاف النوّاب إلى إبعادهم عن  قاعدتهم الجماهيريّة التي تلتفّ حولهم من أجل تقليل دورهم الفاعل وتأثيرهم في الشّارع الفلسطيني، والتّقليل من دعمهم ومشاركتهم في الفعاليّات المندّدة بسياسة الاحتلال العدوانيّة، ومحاولة لإذلال إرادة الشعب الفلسطيني وكسرها عبر اختطاف رموزه وقادته وإهانتهم، ويندرج ذلك أيضا في إطار حرب الاحتلال على المجلس التشريعي لإلغاء دوره الفاعل.  
ويعتبر اعتقال النّوّاب المنتخبين  قرارا سياسيّا بامتياز، ولا يستند إلى أيّ مبرّر قانوني، وهو انتهاك فاضح لأبسط الأعراف والمواثيق الدّوليّة، ويشكّل عدوانا سافرا على المؤسّسات الشّرعية الفلسطينيّة ورموزها، ومساسا فاضحا بالحصانة التي يتمتّعون بها، ومصادرة لحقوق الشّعب الفلسطيني في التّعبير عن آرائه وانتماءاته السّياسيّة بشكل حرّ وديمقراطي وحقّه في اختيار ممثّليه ونوّابه السّياسيّين، وفرض إرادة الاحتلال بالقوّة والقهر.
ورغم ذلك لم نر لبرلمانات العالم والمجتمع الدّولي أيّ حراك لحماية القيم الإنسانيّة والأخلاق والدّيمقراطيّة ومواجهة الانتهاكات الصّارخة للأعراف والمواثيق الدّولية من قبل كيان الاحتلال، حيث يقف الجميع صامتا عاجزا أمام هذه الانتهاكات للقانون الدّولي، ممّا شجّع الاحتلال على الاستمرار في جرائمه وعدوانه على الشّعب الفلسطيني ونوّابه المنتخبين .


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى