زاجل الأسرىكي لا ننسى

حرمان بوجوه عديدة

 

أفنان رمضان

 

لعلّ الحرمان كلمة تمرّ عابرة هنا أو هناك في موضع ما أو حالة ما، لكنّها مثقلة بالآلام في حياة المحرومين من كلّ الأشياء وأقصد هنا تحديدا المحرومين من حرّيّتهم.
فالحرمان حالة دائمة يعيشها الأسرى في كلّ وقت ويوم، فلا يكاد يحضر الموقف إلاّ ويكون الحرمان سيّده.
وأبسط الأمثلة في ذلك وأكثرها ألما الحرمان من الزّيارة والذي لا يكاد ينجو أسير منه، فزيارة الأهل تعتبر المتنفّس الوحيد له، ونافذته على عالمه ومجتمعه، ورغم هذا تجد الكثير من الأسرى يُحرمون من زيارة الأهل شهورا بل قد تكون سنوات عديدة، يُحرمون من أن يقابلوا وجوه من يحبّون، يُحرمون من الأمّ أو الأب أو حتّى الأبناء، أمّا عن العلم والتعليم فحدّث ولا حرج عن هذا، فكم أصبحت الكتب محدودة والكثير منها ممنوع، وأذكر حينما كنت بالسّجن كم حاولنا جاهدين أن ندخل كتابا عن الطّبخ والإدارة رفضت وما زالت ترفض ذلك .

هي أشياء لا تُشترى، كلّ شيء في حياة الأسير لا يُشترى حتّى لو كان يملك المال كيف له أن يشتري نزهة أو زيارة للأهل أو تواصلا مع الأصدقاء؟
هم لازالوا يحرمون من التّدفئة والتّبريد صيفا وشتاء تراهم يتعذّبون، ويحرمون أيضا من الكثير من أصناف الطّعام، فقد أخبرني زوجي ذات مرّة أنّ الأسرى يشتهون صحنا من الكبدة، فكثير منهم لا يعرف لها طعما منذ سنوات طوال، وقد يشتهون طبقا من الكيك المصنّع بالكريما وغيرها الكثير من الملذّات ولا أستهين بهذا الكلام، فالدّنيا مملوءة بالنّعم والخيرات ولكنّ الأسرى تمرّ سنوات حياتهم وهم محرومون.

هم يحرمون وقتهم كذلك، ففي أيّ ساعة قد تباغتهم قوّة تفتيش تلفظهم في السّاحات ساعات دون أن يستطيعوا أن يسألوا لماذا؟ وليس الحرمان حصرا على الوقت بل على المكان أيضا، فسجن هشارون في قسم2 بغرفه  الضّيّقة كانت الأسيرات تتكدّسن فيه بالعشرات، أمّا عن الملابس والأغطية فحدّث ولاحرج، فالبرد في الشّتاء يصفع السّجون صفعا ويحرم الأسرى من إدخال الأغطية والمدافئ وحتّى الملابس الشّتويّة، أيّ برد هذا وأيّ قسوة تلك؟
وقد يكون الفائت كلّه يهون عن حرمان أسير وداع أمّه أو أبيه وقد وافتهم المنيّة وهو في السّجون، عديدة هي الحالات في هذا، فزوجي مثلا قد قرأ نبأ وفاة والدته على فضائيّة فلسطين ليمكث بعدها عامين في السّجن كاتما للألم حابسا للدّمع.

متى سأصبح حرّا؟ متى سأملك وقتي؟ متى سأملك ساعاتي وأيّامي؟ متى سأمتلك هاتفا محمولا أو حاسوبا ، هويّتي وأموالي؟ متى أحصل على شهادة دراسيّة؟ متى أذهب في نزهة للبحر؟ متى أزور أصدقائي؟ متى ألتقط صورة مع أطفالي؟ متى أصلّي في الأقصى؟ متى أنتفض على كلّ هذا الحرمان  .. متى أصبح حرّا؟؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى