خاص سراج الاحرار.
لا يدرك وجع القيد و ألم السجن إلاّ من اكتوى بناره.
بينما كنت معه في ساحة السّجن، حدّثني الأسير عن الألم الذي يعتصر قلبه قائلا :”أتصدّق يا أخي أنّني ما زلت أرى أطفالي صغارا رغم أنّهم صاروا شبابا و رغم مرور اثنتي عشرة عاما على اعتقالي، فأنا أحاول استحضار طفولتهم كي أعيش معهم تفاصيل غبت عنها أثناء سجني..
أتمنّى أن أعيش مع والدي ووالدتي المريضين كي أقوم على رعايتهما وأقدّم لهما كلّ ما أستطيع…” هذه الأمنيات البسيطة هي أمنياته التي تتحدّى أسره وقيده …
إنّه الأسير زهير خيري هاشم سكافي ابن مدينة الخليل والمولود فيها بتاريخ 17 نوفمبر عام 1974. وقد اعتقلته قوّات الاحتلال الصهيوني في عام 2000 عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية موجّهة له تهمة الانضمام إلى حركة حماس. فصدر ضدّه حكم بالسجن لمدّة 22 عاما ليقضي خلالها 62 يوما في التّحقيق أجريت عليه خلالها تجارب علميّة طبّية بالإضافة إلى إعطائه أدوية غريبة و حقنه بحقن مجهولة أثّرت لاحقا على وضعه الصّحّي ممّا أدّى إلى تساقط شعره عن كلّ أعضاء جسمه، ولم تتمّ معالجته رغم ذلك.
و قد أفرج عن الأسير زهير سكافي في أكتوبر سنة 2011 ضمن صفقة تبادل الأسرى – وفاء الأحرار. فعاد إلى عائلته التي كانت في شوق إليه، وخاصّة والديه المريضين اللذين رعاهما. لكنّ فترة الحرّيّة لم تطل فأعيد اعتقال الأسير زهير بمعيّة بقية الأسرى المحرّرين سنة 2014.
زهير سكافي (أبو اسيد) الأسير والأب والمربّي والدّاعية ، هكذا عرفته وهكذا يمضي أيامه في الأسر. فهو لا يملك الكثير من الوقت لنفسه بل يكرّس وقته لمساعدة بقية الأسرى والحديث معهم. لقد شاهدته في إحدى المرّات يساعد أحد الأسرى الذي طلب منه أن يخصّص له خمس دقائق من وقته للحديث معه. كما رأيت أسيرا آخر يسارع ليقدّم لأبي أسيد قطعة من الحلويات التي أعدّها بنفسه. وأسير آخر يستشيره في ما يتعلّق بكتاب يودّ قراءته. وكان هناك مجموعة من الأسرى الشباب يجالسونه ليعلّمهم تجويد القرآن الكريم لقد كان يفعل كلّ ذلك وابتسامته الرّائعة لا تغادر وجهه.
سألته: “ألا يصيبك التّعب يا أبا أسيد؟؟”
فكان جوابه: “بالعكس، يسعدني كثيرا أن أقدّم شيئا لإخوتي من الأسرى”.
لقد كان يرى في الأسرى صغار السّنّ صورة أبنائه الأربعة الذين حرم منهم ، لذا لم يبخل عليهم بشيء، ولم يتردّد يوما في نصحهم وتوجيههم.
إنّ الأسير ” زهير أبو أسيد ” هو صاحب الابتسامة التي لا تفارق ثغره رغم كلّ القهر والألم الذي نعيشه كأسرى بشكل عام ، وخاصّة كأسرى يعاد اعتقالهم بلا ذنب ولا تنسب إليهم قضيّة معيّنة. بيد أنّ كلّ ذلك لم يقف عائقا أمام عطاء الأسير.
“زهير سكافي” هو أحد أسرى فلسطين الذين قدّموا زهرات شبابهم بل وصحّتهم في سبيل قضية أسمى و أغلى من كل الأرواح فهوّ ، كما غيره من الوطنيين ، لم يبخل بحريّته فداء لوطنه.