عين على السجونواقع السجون

حلّ التّنظيمات

لمواجهة المحتلّ في ساحات السّجون

 

بقلم  قتيبة قاسم

لم يكن الإضراب وسيلة الأسرى الوحيدة في مواجهة الاحتلال ومصلحة السّجون، فأسلحة الأسرى بهذا الصّدد كثيرة، قد تبدأ من عصيان محدود ومقاطعة للمحاكم وإرجاع لوجبة أو وجبتين من الطّعام لكنّها قد لا تتوقّف عند حلّ التّنظيمات، في إشارة إلى تصعيد الوضع ووصوله إلى حدّ متأزّم مع انطلاق شرارة الإضراب.

من المتعارف عليه داخل السّجون وجود هياكل تنظيميّة تدير شؤون الأسرى بحيث يسهل على الأسرى المطالبة بحقوقهم وتنظيم حياتهم الاعتقاليّة وفق أسس وقواعد يُتّفق عليها داخليّا ويتمّ البناء عليها لاحقا لتحديد عناوين وأساليب للمواجهة والصّمود أكثر تقدّما وأكثر نجاعةً لانتزاع الحقوق ومواجهة أيّ تحدٍّ يواجه الحركة الأسيرة بمجموعها.

وقد مرّت مراحل وجود التّنظيمات داخل السّجون بتحدّيّات كبيرة ومراحل مختلفة كانت في بداياتها تتمحور حول تجنّب ظهور أيّ شكل تنظيمي لما كانت تخشاه التّنظيمات من الواقع الأمني وسطوة السّجّان ووجود الملاحقة الإضافيّة داخل السّجون لأيّ نشاط من شأنه تأسيس عمل تنظيمي أو توحيد الجسم الاعتقالي، بحيث كان يقف الشّخص وحيدا ممثّلاً عن نفسه لتصبح الأمور فيما بعد أكثر وضوحا في التّعامل مع الإدارة بوجود “الشّاويش” وهو الشّخص الذي يمثّل الأسرى ويتحدّث باسمهم أمام إدارة السّجن، لتحدث فيما بعد تطوّرات جذريّة في هذا الخصوص في الأعوام الأخيرة القليلة في عمر الحركة الأسيرة.

فبعد أن كانت الانتخابات الدّاخلية للفصائل داخل الأسر تتمّ وسط تعقيدات واحتياطات وتظلّ فيما بعد نتائجها محاطة بالسّرّ والكتمان بحيث لا يتمّ معرفة من يدير الواقع الاعتقالي التّنظيمي الدّاخلي خشية من وجود ردّة فعل قاسية من الإدارة تتعامل على إثرها بالقمع والتّنقّلات وزعزعة الوضع الدّاخلي، بدت الأمور أكثر سلاسةً في الوقت الحالي، بحيث بدت الفصائل تنطلق من منطلق قوّة في حديثها أمام الإدارة واستخدمت هذا السّلاح الذي كان يوجّه إليها لتعيد توجيهه إلى مصلحة السّجن، فتلوّح به الفصائل عند كلّ أزمة أو تصعيد.

أجبرت الفصائل مؤخّرا إدارة السّجون على فرض واقع يتمثّل في أن يكون لكلّ تنظيم ممثّلون في العلن يختارهم أبناء التّنظيم على مستوى السّجن ككلّ ثم يتفرّع الاختيار لكلّ قسم من الأقسام داخل السّجون بحيث يصبح الممثّلون عن الأسرى هم الواجهة الوحيدة للحوار مع الإدارة والمخوّلة بالحديث معها والمطالبة بالحقوق ومتابعة التّفاصيل اليوميّة الكثيرة للأسرى، فإدخال الطّعام ومتابعة وضع المرضى ونقلهم للعيادات والزّيارات والكانتينا والفورة وغيرها تفاصيل لا بدّ من متابعتها في كلّ يوم بل وفي كلّ لحظة، الأمر الذي نجم عنه مصلحةً كبيرة لدى الأسرى بحيث تتوحّد الجهود كلّها وراء دعم الممثّل والانصياع لتوجيهاته التي يضعها الأسرى أنفسهم في خطوط عريضة والتّعامل معه كطرف قوي في معادلة الصّراع مع الاحتلال، وكذا فقد حقّق الأسرى إنجازا قلّص من جانبه تلك الأحاديث الفرديّة و الجانبيّة التي كان يستغلّها الاحتلال لتجنيد الأسرى أو محاولة إسقاطهم كما حدّ وجود ممثّل واحد من تلك الأمور بكثير، ومن جانبه فإنّ للاحتلال مصلحة بشكل أقلّ تمثّلت في أنّه إذا ما أراد شيئا من الأسرى فإنّه لن يضطرّ للتعامل مع كلّ أسير على حدة فالأمر سيبدو عليه مستحيلاً معقّدا ومن هنا بدأت خطوات الأسرى تلوّح بهذا الإجراء عند كلّ تصعيد لما قد يشعل فتيل أيّ أزمة.

لقد رضخت إدارة السّجون إلى قرار الأسرى لاختيار ممثّليهم وإدارة شؤون حياتهم داخل السّجن وفرض واقع يحتّم على الإدارة التّعامل مع مَن يختارهم أبناء الفصائل المختلفة للحوار والحديث فيما يتعلّق بالشّؤون الدّاخليّة والمشاكل التي تتعلّق بالحياة الاعتقاليّة وظروفها دون أن يتدخّل الشّاباك لمعاقبة أيّ أسير ثبت قيامه بمهام إداريّة داخل السّجن حيث كانت الفصائل ولا زالت تلوّح بحلّ التّنظيم إذا ما حصل أيّ انتهاك بهذا الخصوص باعتبار الأمر عملاً إداريّا منفصلاً بشكل كلّي عن العمل التّنظيمي في الخارج وقد نجح هذا الأمر إلى حدّ كبير.

إنّ حلّ التّنظيم خيار الأسرى الأقوى في مواجهة صلف السّجّان، ولا يعني بحال من الأحوال حلّ التّنظيم فعليّا وإنّما يتمّ ذلك أمام إدارة السّجن فقط بينما يبقى التّنظيم متكاتفا داخليّا بل ويتمّ اختيار قيادات أولى وثانية وثالثة وبديلة لمواجهة أيّ تنقّلات أو عمليّات قمعيّة تنفّذها الإدارة، بينما تبدو الصّورة أكثر صعوبة لدى الطّرف الآخر الذي سيجد صعوبة في التّعامل مع الأسرى وسيعود للعمل وفق معطيات جديدة، لا سيما أنّه سيحتاج على إثر تلك الخطوات إلى أعداد مضاعفة من الجنود والشّرطة وقوّات القمع لكي يستطيع السّيطرة على آلاف الأسرى الذين لم يكن يحتاج ممثّل القسم إلاّ لكلمة منه فيستجيبون دون أيّ عناء، إضافة إلى إمكانيّة أن تتطوّر الأمور لمواجهة واشتباك طالما لا وجود للعناوين الضّابطة التي توجّه أو تحدّد أسس التّعامل.

وفي خضمّ الحديث عن الاضراب عن الطّعام ووصول الأسرى لمرحلة متقدّمة من التّصعيد فإنّ حلّ التّنظيم يكون قد سبق الخطوة الكبيرة التي تمثّلت ببدء الإضراب، وتهيّأت الحركة الأسيرة للمعركة المصيريّة بعد أن تدحرجت خطواتها وانطلقت باتّجاه العصيان ووقف كلّ أشكال الحوار ووضع حدّ أدنى من المطالب لا بدّ من تلبيتها قبل العودة إلى طاولة الحوار المشروط.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى