بقلم : سعاد محبوبي
مَن أوّل أسير في التاريخ؟! كيف تمّ الاهتداء إلى فكرة عزل فرد عن المجتمع، ظنّا بأن ذلك يمثّل عِقابًا شديدًا لهُ ؟!
عقابا سيجعله يفكّر ألف مرة قبل أن يُعيد ارتكابَ نفس الفعل الذي جرّمه سجّانه و حرمه من أعظم ما يملك الإنسان “الحرية”
كيف انسلخ البشر مِن إنسانيّتهم و حرموا حُرّا بالفطرة مِن حرّيّته ؟!
أسئلة كثيرة راودت عقلي قبل قلبي، لم يُجب التّاريخ عنها بدِقّة و موضوعيّة لكن المؤرخين اكتفوا بالافتراض و التوقع
مَهلاً !
متى كان التّوقّع معيارا تُقاس به الحقيقة، و هل هناك حقّا تاريخ “أَسر” حقيقيّ ؟!
يقول الطاهر بن جلّون في كتابه
“تلك العتمة الباهرة” : {إذا أردتَ أن تتذوَق صِدق المعاناة، وتتذوّق طعمَ الحياة الآخَر، فرجاءً لا تقرأ رواية عن الحبّ السرمديّ، ولكِن اقرأ في أدبِ السّجون } كم أنت صادق أيها الطّاهر! لم أعشق أدب السّجون كي أصنع لونا مختلفا وأتميّز عمّن يفضّلون الأدب الصّوفيّ أو الأدب الرّوسيّ و غيرها مِن ألوان الأدب الشّائعة جدّا،
أبداً ! لكنّ شيئا هناك بداخلي يدفعني إلى أن أكتب عن أولئك المنسيّين الصّامتين، الأحياء-الأموات، ربّما هو فائض إنسانيّة أو رغبة في التّعرّف على الجانب الآخر مِن الحياة ذاك الجانب الذي يُرادُ لهُ دوما أن يبقى مَخفيّا غامضا إلى أن يُكتشف مِن قبل الأسير بعَينه، فمَن رأى وسمع ليس كمَن عاش الأحدث بأدقّ تفاصيلها الفظيعة.
حينما أحاول استيعاب موضوع الأسر من الجانب الإنسانيّ أكادُ أُجنّ فالفكرة لوحدها جعلتني أعيش في خِضمّ تقلّبات مزاجيّة ونفسيّة رهيبة، أسأل نفسي تارة أَوَ ليس ذاك الأسير إنسانا كما سجّانه؟ وأحاول الإجابة عن نفس السّؤال بسؤال آخر تارة أخرى: بَلى، فهي جرائم إنسان تجاه الإنسان، نفسه الإنسان الذي تجرّد مِن إنسانيّته!
ثم إنه لَعيْبٌ على كلّ حرّ أن ينسى أسيرا قُدّر لهُ أن يعيش أهوال الأسر دون غيره، ربّما هو ابتلاء حُبّ مِن الله لهُ أو هي حكمة أعظم من أن يُدركها عقلٌ بشريّ جُبِل على العجز، نَعم هو أسيرٌ اليوم وسيُصبح حرّا غدا لكن بعد ماذا؟ بعد أن استنزف السّجّان كلّ طاقته البدنيّة والنفسيّة؟
صحيح بأنّ الإنسان سُمّي إنسانا لكثرة نِسيانه أو لِنقُل لكثرة تَناسِيه، لكنّ هناك أحداثا تمرّ علينا تكون أقسى و أفظع مِن أن تُنسى حتّى و إن مرّت عليها عقود مِن الزّمن تظلّ عالقة بالأذهان.. أكاد أجزم بأنّ ذاكرة جميع الأسرى مُزدحمة بالأحداث والوقائع المُروِّعة التي عايَشوها هناك في غياهب السّجن ودهاليز اللاّحياة..
لا أملك سوى الدّعاء لكم والكتابة عنكم وآملُ أن أكون قد أَوصلتُ صرخة واحدة على الأقلّ مِن صرخاتكم الصّامتة يا جُرحا سيظلّ ينزف بقلبي ويُجهد عقلي على التفكير بكم.
الحريّة لأسرى فلسطين ومعهم أسرى العالَم.