بقلم : رياض الأشقر
صدق المثل الشّعبي الذي يقول “نسمع جعجعة ولا نرى طحنا” وهذا ينطبق تحديدا على مواقف العديد من المؤسّسات الدّولية والعربيّة الرّسمية منها وغير الرّسمية تجاه قضيّة الأسرى الفلسطينيّين في سجون الاحتلال.
فرغم ما يتعرّض له الأسرى من جرائم فاقت كلّ التّصوّرات وتجاوزت كلّ الخطوط الحمراء، ورغم ضرب الاحتلال بعرض الحائط لكلّ المواثيق الإنسانية، وحرمان الأسرى من كافّة حقوقهم، بل وتنفيذ هجمة شرسة طالت كلّ مناحي حياتهم فإنّ المؤسّسات التي تدّعي دفاعها عن حقوق الإنسان وصدّعت رؤوسنا بمعاني القيم والحرّيّة والرّحمة، لا نسمع لها صوتا أو نرى لها موقفا، وفي أحسن الأحوال تصدر بيانا للإدانة والاستنكار.
ومع بدء إضراب الأسرى عن الطّعام في السّابع عشر من نيسان، والذي احتلّت أخباره صدى واسعا في وسائل الإعلام العربيّة والدّوليّة، باشرت العديد من تلك المؤسّسات بتسجيل موقف لها من الإضراب، وذلك في الأغلب حفاظا على سمعتها كمنظّمات تحمل اسم “حقوقية أو إنسانيّة أو سياسيّة” فأصدرت بيانات أعربت فيها عن تأييدها لحقّ الأسرى في الإضراب وطالبت على خجل الاحتلال بالاستجابة لمطالب المضربين، فيما اكتفى بعضها بمتابعة مجريات الإضراب.
وكأنّنا نحتاج من تلك المؤسّسات مواقف إدانة وبيانات شجب ومتابعة عبر الإعلام لأوضاع الأسرى، أو كأنّ دورها يقتصر فقط على ذلك الإجراء الهزيل الذي لا يسمن ولا يغنى من جوع، ولا يغيّر شيئا في واقع الأسرى، ونحن على يقين بأنّ الاحتلال لا يلتفت إلى تلك البيانات الشّاجبة والمستنكرة، بل إنّه يبتهج ويسرّ كثيرا بها كونه يدرك تمامًا بأن هذا أقصى ما تستطيع تلك المؤسّسات فعله فقط، وأنّها عاجزة عن تشكيل ضغط عليه ليغيّر من مواقفه تجاه الأسرى.
إنّ أوضاع الأسرى القاسية بشكل عامّ وأوضاع الأسرى المضربين بشكل خاصّ، كانت تستوجب على تلك المؤسّسات والجهات المختلفة التّحرّك العاجل لوقف جرائم الاحتلال بحقّهم، وذلك بالتّواصل مع المؤسّسات الدّوليّة الفاعلة وحثّها على اتّخاذ قرارات عمليّة لصالح الأسرى، وتشكيل لوبي ضاغط على الاحتلال، والتّهديد بقطع العلاقات معه لإلزامه بتطبيق المواثيق الإنسانية على واقع الأسرى.
لم نكن ننتظر من الجامعة العربيّة أن تصدر بيان إداانة فقط وكأنّ الأمر يتعلّق بأسرى في هولندا أو فرنسا، ولم نكن نتمنّى أن يكون موقف البرلمان العربي مقتصرا على المطالبات والمناشدات فقط، كما أنّ موقف منظّمة العفو الدّوليّة وغيرها من المنظّمات الدّوليّة ليس بالمستوى المطلوب كما يجب أن يكون .
معاناة الأسرى المستمرة منذ عشرات السنين، وتنكّر الاحتلال لكلّ الشّرائع والمعاهدات، لم يعد لهما من متّسع لبيانات الشّجب والإدانة والاستنكار، والحديث عبر الفضائيّات، وإنّما يحتاج إلى جهود عمليّة على الأرض، وإجراءات حقيقيّة لاختراق جدران هذا الصّمت المريب منذ عشرات السّنين تجاه الجرائم التي ترتكب بحقّ أسرى الشّعب الفلسطيني.
وإنّنا لا نبرّئ المؤسّسات الدّولية الإنسانيّة منها والحقوقيّة العربيّة والغربيّة ممّا يتعرّض له الأسرى من جرائم، لأنها تصمت على ممارسات الاحتلال، ولا تقوم بواجبها ولا تتحمّل مسؤوليّاتها تجاه تطبيق المواثيق التي أقيمت وأُنشئت من أجلها، وهذا يشجّع الاحتلال على الاستمرار في تلك الجرائم بحقّ الأسرى، ويفتح شهيّته على المزيد من التّضييق والقتل البطيء لهم.