أشبالنا الأسرىبالورقة والقلم

سلسلة أنبوب اختبار

عن الأشبال “3”

بقلم: مروان أبو فارة

لا يمكن لمنصف أن ينكر أن انتفاضة القدس الأخيرة قام بها وبأغلب إبداعاتها الجيل الصّغير الذي ظن البعض أن فيّاض وخطته، ودايتون وأمنه، والمحتلّ و غلظته، قد نالت منهم وجعلتهم لا يعرفون شيئا عن الاحتلال والمواجهة والصّراع في عمقه العقدي والإيديولوجي ولا حتّى عمقه السّياسي.

أشبال ثائرون

لكنّ الفارس مهنّد الحلبي مفجّر ثورة السّكاكين أظهر المعادلة الحقيقيّة وهي أن رفض المحتل وزبانيته في فلسطين المحتلة هو عبارة عن جين سائد لدى الكل الفلسطيني، وقد جاءت ثورة هذا الجيل الصغير وحديث العهد بالحياة وبلوائها وصراعها تحمل رسائل متعددة إلى أطراف عديدة، فأوّل تلك الرّسائل كانت للحكم الشّمولي في الضفّة الذي أمعن في الاستهداف لكلّ نسمة تحمل الأذى للمحتل حتّى قال قائلهم إن الأرض في الضفّة قد عقمت ولا يمكن أن يخرج منها من يقاوم أو يرفض المحتل.

وما زلت أذكر إجابة أحد الزّملاء للمدرّس في آخر أيّامي الجامعيّة عندما سأله عن مستقبل الصّراع مع المحتلّ فأجاب أنّه لا يرى هو وزملائه من أترابه ضيرا في التّعايش مع الاحتلال وتقبّله كأمر واقع والاستفادة من تسهيلاته، وأن الصراع المسلّح لم يجلب إلاّ الويل والثّبور وأنّ المقاومة السّلمية عبر المؤسّسات الدّولية هي من يجلب الحقوق ويردّها لأصحابها. والمتحدث في المثال السابق كان ينتمي لما يمكن أن يسمّى الفلسطيني الجديد بعد عشرة أعوام من التّغييب وربط الناس بالبنوك والرّواتب والكماليّات واعتبار أنّ من يقاوم أو يرفض المحتلّ عبارة عن مغيّب ليس في رأسه مسحة من عقل أو كياسة وأن الحياة هي ما تشرعنه الحكومة فقط.

الضّفّة في قلب الصّراع

والرّسالة الثّانية وجّهها هؤلاء الأشبال والشّباب إلى بعض منظّري المقاومة في الشّقّ الآخر من الوطن حيث أثبتوا لهم دون أن يخطبوا ودّهم أنّ الضّفّة قادرة فاعلة، فقد وصل الأمر ببعض منظّري المقاومة المتحمّسين أن سبّوا أهل الضّفّة جميعا وما زلت أذكر منشور ذلك الأسير المحرّر الذي كان يحوي صورة الشّهيدة هديل الهشلمون معنونا ب”لعنة الله عليكم يا أهل الضّفّة” ولقد بلغ السّيل الزّبى عندما ظنّ هؤلاء أنّهم أوصياء على الشّعب ككل وأنّ من لا يستجيب لبكائيّاتهم ليس إلاّ ديّوثا لا مقام له بين الرّجال ولا وزن له على الأرض وبالغوا أشدّ المبالغة فيما سمّاه البعض الذّمّ للتّحريض، وما إن هبّت رياح الأسد الضّراغم من الجيل الشّابّ حتى رأيناهم يركبون الموجة وينسون ما قالوه بالأمس في ذمّ النّاس ولعنهم.

أشبال قادرون متحمّسون ثائرون

كانت الرّسالة واضحة صريحة حادّة مفادها أنّنا إن لم نملك إمكانياتكم فإنّنا لسنا أقلّ رجولة وفحولة وشجاعة منكم مع الاحترام لتجربتكم فنحن نستطيع أن نغيّر معادلة الصّراع وإن كانت أيدينا فارغة من العدّة، وهنا لا بدّ من التّأكيد على مسألة مهمّة يعرفها الكلّ ولكن ربما حماسة التّنظير تفقده فقهها، فهل سألت نفسك يوما ايّها المنظّر المتحمّس لماذا جعل المولى تعالى محمّد البوعزيزي شرارة ما نحن فيه من مرحلة مخاض عسير؟ ولماذا لم يختره من الجماعات والأحزاب التي تنظّر وتفعل وتستهدف منذ ما يقارب القرن؟ وكما تعلم فإنّ البوعزيزي كان رجلا مستور الحال يعيش عيشة الكفاف وقوته نتاج عمله اليومي فقط، ألا يدلّ ذلك على أنّ التّغيير ومثله التّحرير أمر يحتاج للأخذ بالأسباب، ولكن القرار الإلهي هو الفاصل والحاسم؟

رغد العيش لم ينس الأشبال حقّهم في أرضهم

والرّسالة الثّالثة كانت للمحتلّ ومفادها أنّ سياسة التّرغيب والتّرهيب وأنّ التّصاريح السّياحيّة ومثلها العماليّة وإغداق الأموال وفتح الأبواب أمام هذا الجيل لن تنسيه أرضه ولن تمنعه من محاولة اجتثاث سرطانك من على الأرض المباركة طال الزّمان أو قصر وباقي الرّسالة يمكن أن تستحضره أيّها القارئ الكريم من خلال استحضار تفاصيل انتفاضة القدس.

الأسرى من أشبال فلسطين

كان التّقديم السّابق مهما لنعلم مدى أهمّية هذه الفئة المتحدّث عنها ولتكون مقياسا لمعرفة خطورة سياسة المحتلّ تجاه هذه الفئة داخل السّجون، فالشّبل في عرف المحتل هو الأسير الذي لم يبلغ الثّامنة عشرة من العمر بحيث يوضع هو وأترابه في أقسام خاصّة بهم ويمنع من الاختلاط بالأسرى البالغين إلاّ بعد بلوغ السّنّ القانونيّة المحدّدة.

يشكّل الأسرى الأشبال هدفا لكلّ فصيل حيث يعتبرون الدّماء الجديدة التي يتوقّع أن تبثّ الحيويّة في عروق تلك الفصائل لذلك من المهم بمكان ان يكون هناك برنامج تعليم وأدلجة قبل الانخراط في صفوف تلك الفصائل.

محاولة غسل عقول الأسرى من الأشبال

ولكنّ للمحتلّ رأي آخر، فلقد تمّت صياغة سياسة محدّدة وهادفة لطمس هويّة ذلك الشّبل في داخل المعتقل ليخرج من معتقله إنسانا فارغا أجوفا لا يحمل أيّ رسالة وأول أساليب المحتلّ هي استجلاب معلّمات للأشبال بحيث يحضرن يوميّا عدا الجمعة والسّبت ويبثثن ما يريد المحتل من أفكار تدور كلّها حول نبذ العنف وتسخيف فكرة المقاومة والممانعة وشرعنة وجود المحتلّ وجعل التعليم إكمالا لأمور تتعلّق بالمنهاج المدرسي لا غير، ويدعم المحتلّ ذلك من خلال الأمر الثّاني ألا وهو الإعلام، وقد تحدّثنا عنه مليّا في مقالة سابقة من هذه السّلسلة بعنوان “عن التّدجين” ونضيف أنّه ربّما يختار المحتلّ قنوات أخرى تبثّ أمورا غير أخلاقيّة.

المحتلّ يوجّه الأسرى من الأشبال فصائليّا

والأمر الثّالث هو أن المحتل يختار فصيلا بعينه دون الفصائل الأخرى ليقوم برعاية الأشبال ويمنع الفصائل الأخرى من دخول تلك الأقسام أو حتّى التّواصل الكتابي مع الأشبال ويعطي المحتلّ سلطات شبه مطلقة لأولئك الرّعاة تصل إلى حدّ التّعنيف الجسدي والاتّهام بالعمالة للمحتل لمن يحاول أن يخرج عن القطيع لا السّرب، لأنّهم يعاملون الأشبال كقطيع من الأغنام لا سربا من الطّيور الحرّة الجارحة، وهناك أمثلة واقعية أترك روايتها لأصحابها في حينها إذا اختاروا كشف اللّثام عن تلك الوجوه القبيحة التي تستهدفهم وتشيطن كل الآخرين أمامهم وتمارس عليهم التّنمّر وتستفرد بهم.

إنّ الحركة الأسيرة مطالبة قبل الكلّ أن تجد حلاّ لهذا الملفّ الدّامي ولا يقبل منها ولا ممّن يمثّلها من كل الفصائل أن تفاوض أو تساوم أو تتهاون مع من أعادوا للقضيّة رونقها ولمن أفشلوا سياسات الإلغاء والإقصاء والتّهميش والتّهويد، ثم إنّ الفصائل في الخارج مطالبة بإيجاد ميثاق شرف يخصّ الأشبال الأسرى وحدهم وأن تمنع التّفرّد بهم من قبل فصيل بعينه وإلاّ فلترقد كلّ الفصائل بسلام، فمن ارعب وأرهب دولة الاحتلال وغيّر معادلة الصّراع وأعاد كلّ القضيّة للواجهة قادر على أن يأخذ حقّه ويفرض أيّ معادلة يريد.

إنّ الكلمات السّابقة لم تعط الأشبال حقّهم ولا عشره، وإنّما هي رسالة مقتضبة تمّ تشذيبها عمدا حتّى يبقى شيء يمكن البناء عليه في إعادة لحمة هذا الشّعب الممزّق، وإن لم يكن فليس هناك حقيقة يطويها النّسيان وليس هناك حقّ يسقط بالتّقادم والأمر جدّ خطير.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى