بقلم : عصمت منصور
لم يساهم نضال الحركة الأسيرة خلف جدران الأسر في تحسين شروط حياة الأسرى المعيشيّة فقط، بل بلور هويّتهم النّضالية الجماعيّة وعزّز من صمودهم كجيش منظّم أمام مديريّة السّجون وأعاد تكوين هويّتهم على أسس كفاحية وكجزء من حركة تحرّر وطني.
قبل خوض أوّل إضراب جماعي في بدايات السّبعينات من القرن الماضي كان الأسرى مبعثرين ومشتّتين ولا تجمعهم أيّ أطر موحّدة والتّكتّلات كانت تقوم على أساس الانتماء الجغرافي والانتماء إلى جيش التّحرير الذي كان العدد الأكبر من الأسرى من المنتمين له، ووفق الرّتبة العسكريّة.
وبعد أوّل إضراب بدأت تتبلور أسس جديدة أكثر وعيا لموضوع الهويّة النضالية وأكثر تنظيما ليظهر الأسرى لأوّل مرّة كجسم موحّد بات يعرف بالحركة الأسيرة الفلسطينية بعد أن حاز عن جدارة على هذا التوصيف.
وضع هذا الجسم الاعتقالي الوليد لنفسه وحدّد لوجوده في الأسر مهمّتين أساسيّتين تكملان بعضهما البعض: الأولى مطلبيّة حياتيّة تتعلّق بشروط الحياة داخل السجون ومستواها والسّعي إلى تحسينها وملاءمتها مع مستوى حياة إنساني يليق بهم كبشر ومناضلين من أجل الحرية، والمضيّ قدما في هذا النضال إلى أن يصل إلى مرحلة الاعتراف بهم كأسرى حرب، وهي المهمة الثّانية التي كان الأسرى يدركون أن تحقيقها لن يأتي دون توفر درجة عالية من التنظيم الداخلي ومستوى حياة مناسب وهامش يتيح لهم فرضه فرضا على مديريّة السّجون كأمر واقع أوّلا ومن ثمّ التّرقّب والسّعي إلى إنضاج العامل الآخر وهو تحقيق الثورة الفلسطينية لإنجازات سياسية ودبلوماسية على شكل اعتراف بنضال الشعب الفلسطيني وممثّليه وبالتالي الاعتراف بهم عالميّا كأسرى حرب.
استطاع الأسرى خلال أربعة عقود من إنجاز الشّرط الذاتي وفرض أنفسهم ومطالبهم على إدارة السّجون التي باتت تتعامل معهم ضمنا كمقاتلين من أجل الحرّية بحيث حسّنت بعد كل إضراب أو تحرّك نضالي في المعتقلات من شروط حياتهم واعترفت بممثّليهم وأطرهم القيادية الجامعة وسمحت بأن يعيشوا في غرف وأقسام وفق تقسيماتهم التّنظيمية وانتماءاتهم الحزبية، وكان يفترض أن تقود هذه المرحلة المتقدمة من التنظيم الداخلي إلى المرحلة الأخرى التي تتوّجها سياسيّا وقانونيّا، وهو الأمر الذي قُطع بسبب اتّفاقيات أوسلو والاعتراف بمنظّمة التحرير الفلسطينية المشروط والذي لم يتضمّن الاعتراف بشرعيّة نضالها وبالتالي أفعال المقاتلين والجيش الذي قاتل أفراده وسجنوا تحت مظلّتها.
إنّ الواقع الحالي والآليّة التي يناضل الأسرى وفقها تنحصر في الشّقّ المطلبي فقط بينما جرى الاعتماد في تحقيق الشّقّ القانوني السّياسي على السّلطة وما ينتج عنها من اتّفاقيات مع المحتلّ مازالت تدور للأسف ضمن حلقة مفرغة يحكمها الصّهاينة والتعريف الأحادي للأسرى الذي يصفهم بالإرهاب.
لن يخرج الأسرى من أزمتهم البنيويّة طالما أنّ هذا التصنيف الصّهيوني هو المرجع في التّعامل معهم وبالتالي فإنّ المطلوب خلق وإيجاد الأساس الموضوعي والمرجعيّة الصّحيحة التي تعترف بهم كأسرى حرب بحيث يحلّ تلقائيّا موضوع شروط الحياة ويتمّ الانتقال إلى المطالبة بالإفراج عنهم وتحريرهم وفرضه على إسرائيل.