الأسرى المرضى

"أَمَرُّ الأمَرَّيْنٍ"

بقلم:أ. رياض الأشقر

أن تكون فلسطينيًا  فتلك جريمة كافية لوضعك خلف قضبان الاحتلال لشهور أو لسنوات بمعزل عن الحياة في الخارج، وإن لم تحمل تهمة تُشفي غليلهم فالاعتقال الإداريّ في انتظارك، وإن لم تخرج إلى الشّارع لرمي الحجارة على آليّة عسكريّة أو للمشاركة في مسيرةٍ ما، واكتفيت بالدّفاع عن بستانك وأرضك فذاك يعني السّجن الفعليّ لعدّة شهور وربّما.. لمؤبّدات!

ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بل إنّ الإحتلال وضع من الممارسات والإجراءات ما يجعلك تعيش سجنًا داخل السّجن، فقد يجتمع عليك الأسر والمرض والعزل في آن واحد، وما أصعبها حياة في ظلّ تلك الظّروف التي تزداد قسوة في عتمة الأسر كلّ ليلة.

ومن هؤلاء الأسرى؛ موسى سعيد صوفان ذو الإثنين وأربعين عامًا من بلدة طولكرم، والذي يعاني مرارة الأمرين: السّجن والمرض.. وأحيانا العزل أيضًا، فهو محكوم بالسّجن المؤبّد إضافة إلى خمس سنوات أخرى بتهمة قتل مستوطن في مدينة يافا.

بدأت حكاية الأسير "صوفان" في عام 2003، عندما تعرّض إلى تحقيق قاس بعد اعتقاله استخدم فيه الصّهاينة  كلّ وسائل التعّذيب التي أثّرت على صحّته لاحقًا، فبعد خمسة أعوام بدأت رحلة المعاناة بآلامٍ في الرّقبة والكتفين، ولم تُعره إدارة السّجن أيّ اهتمام بالرغم من شكواه، وانّما اكتفت بفحص شكليّ متبوع بقرص من المسكّنات!.

ومع استمرار سياسة الإهمال الطّبيّ بحقّ الأسير "صوفان" تدهورت صحّته بشكل أكبر، وبدأ الألم يمتدّ إلى الرّأس مُسبّبًا حالات من الإغماء، نُقل على إثر إحداها إلى المستشفى حيث تبيّن بأنه مصاب بأورام سرطانيّة في الرقبة، ولكنّ ذلك لم يكن سببًا كافيًا لدى مصلحة إدارة السّجون للتّحرّك، ممّا جعل الأسرى  يمارسون ضغوطا جماعيّة نصرة لزميلهم الذي تواصلت معاناته عدّة أعوام حتى تقرّر إجراء عملية استئصال ورم من الجهة اليمنى من الرقبة في مستشفى "سوروكا" في يونيو 2013، وبناءً على هذا القرار أُجريت له العديد من الفحوصات اللاّزمة ممّا جعل أمل العلاج يلوح في الأفق.

في شهر أغسطس من نفس العام وقبل إجراء العملية بوقت قصير، أقدمت إدارة السّجون على نقله إلى العزل الانفراديّ بقرار من المخابرات إثر تصنيف الأسير "صوفان" بالخطير، وألصقت به تهمة التّنسيق من داخل السجن لتشكيل خلايا عسكرية في الخارج، لتنفيذ عمليّات خطف جنود صهاينة لمبادلتهم بالأسرى، وكلما انقضت شهور العزل السّتّ، أقام الإحتلال محكمة صوريّة جدّد من خلالها العزل لستّ أخرى.

وبسبب عزله، ومنذ ذلك التّاريخ ظلّ الاحتلال يماطل في إجراء هذه العمليّة الهامّة، ممّا عرّض حياته إلى الخطر الشديد، ولهذا قرّر الأسير خوض إضراب عن الطّعام في يناير عام 2014، استمرّ مدّة 25 يومًا، فعمد الاحتلال إلى المهادنة والتّفاوض، ومنحه وعدًا بإنهاء عزله، وإجراء العمليّة الجراحيّة المقرّرة له، لكنّه لم يَفِ بوعده، ممّا دفع موسى صوفان إلى الإضراب مجدّدًا مدّة أسبوع في بداية العام الموالي، فواصلت إدارة السّجون المماطلة وإطلاق الوعود الكاذبة، وهذا عهدنا بالصّهاينة الذين لا يقيمون للاتّفاقيّات ميزانًا.

تُظهر حالة الأسير موسى صوفان مدى بشاعة الاحتلال واستهتاره بكلّ الأعراف والقيم الإنسانيّة، حيث يعاني ظروفا اعتقاليّة قاسية جدًّا في العزل الإنفرادي، وتجتمع عليه معاناة المرض والسّجن والعزل، في مشهد يتكرّر باستمرار مع العشرات من الأسرى، طالما أنّ المجتمع الدّوليّ يمارس الصّمت لا بل والانحياز لهذا الاحتلال المجرم الذي يضرب بعرض الحائط كلّ المواثيق الدّوليّة الضّامنة لحقوق الإنسان.  

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى