
كتب: أحمد عبد الله
عمرو شابٌ هادئٌ وخلوق، حافظٌ لكتاب الله، صاحب إرادةٍ قويةٍ وعزيمةٍ صلبةٍ، أحب وطنه بصدق، قدم له فداءً جُل عمره، تعلم أن هذا الوطن لا يُباع ولا يُفرط في حبة رملٍ من أرضه.
درس المحاسبة ليزداد يقيناً أن فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين، فالوطن لا يعود إلا بالدم والنار، والمفاوضات لا تجدي نفعاً، ولا الحلول السلمية.
الأسير عمرو عوني كمال وهبِة، ولد في مدينة البيرة في كنف أسرةٍ ملتزمة، أنجبته أمٌ صابرة، أرضعته حب الوطن، وزرعت فيه معاني الرجولة والصلابة.
كبر عمرو وجُبل على حُب الوطن، وصل إلى ما كان يرنو إليه، لكن عقله و قلبه كانا منشغلين في كيفية التخلص من ذلك الاحتلال الذي ينغص على الشعب حياته.
حواجز اسمنتية منتشرة في كل مكان، وتهويدٌ وتدنيسٌ للقدس بأيدي المستوطنين الأنجاس، حصارٌ مطبقٌ بإحكامٍ على غزة، ومعاناة الأسرى المتفاقمة، كانت مناظر تغزو عقله في كل حين.
حين أتمَّ عمرو شروط التخرج وحصل على درجة البكالوريوس في تخصص المحاسبة، أيقن أن دوره قد جاء ليلقن الاحتلال درساً، فخلال بضعة أشهرٍ جاءته فرصةٌ من ذهب لتلقين الاحتلال ذلك الدرس.
ففي ليلةٍ حالكة السواد، زُج عمرو في زنزانةٍ لا تليق إلا بأعدائه، لم يقرر أن يجلس خلف مكتبه ليدقق الحسابات، بل اختار الطريق الآخر في تحرير الوطن من دنس الاحتلال.
ستون يوماً في التحقيق في سجن عسقلان، أمضى عمرو، ولم ينالوا من عزيمته رغم قسوة أساليبهم في التحقيق الهمجي، مارس الاحتلال بحقه التعذيب النفسي والجسدي، دون أن يصيبوا منه شيئاً، فمحاولاتهم باءت بالفشل، انتهيت فترة التحقيق، و بدأت المعاناة في المحاكم، وفي البوسطة المؤلمة المرهقة.
18 شهراً لحِقت بعمرو موقوفاً، محاكماتٌ تُأجل ليحكم عليه الاحتلال حكماً جائراً ظالماً، في محاكمةٍ عنصرية، من قاضٍ ظالمٍ مجردٍ من كل معاني الإنسانية.
حُكم عمرو في نهاية المطاف خمس سنوات ظلماً وبهتاناً، لكن لا زال بطلاً كما عهدناه، استقبل الحكم برحابة صدر، رغم قسوته، كان محبوباً في السجن، استغل عتمة الزنزانة لينيرها بقراءة القران الكريم، وأتم حفظه له بشكلٍ كاملٍ وبمعدل امتيازٍ مع التجويد.
شارك عمرو مع إخوانه الأسرى في كافة النشاطات الثقافية والرياضية والدعوية، وكذلك هم أسرانا، ينيرون عتمة الزنزانة بالإيمان والصمود، فالسجن مدرسةٌ تُخرِّج أبطالاً وأحرار.