
بقلم: عمرو العصا
تمددت على “برشي”، سريري المرتفع، وضعتُ يداي خلف رأسي متأملاً نجوم السماء، الهواء البارد يلسع خداي، ياه، كم تغيّرت نجوم السماء لم أرَها وأتأمل جمالها منذ خمسة أعوام، لم أعهدها بهذا الشكل.
منذ كنت صغيراً، في سِن العاشرة وأنا أنام على سطح بيتي، كنت أحاول أن أعدَّ نجوم السماء لكنّي في كل مرةٍ كنت أفشل، فهي لا تُعد و لا تُحصى، وقد حدّدت في ذلك الوقت مكان نجمتي المفضلة، أحدثها وأتأملها لكنّي الآن لم أجدها، أين هي نجمتي المفضلة؟.
هل هذه نجوم القدس، حيفا، عكا، يافا وصفد، كم هي السماء جميلة! يا ليت الأرض كانت مثلها، فهي بغير حواجزٍ و لا شباكٍ ولا جُدرانٍ فاصلة، إنها جميلةٌ كالحرية، ياه يا ليتني مِن عهد القدماء؛ لَكُنت قد جُبتُ وطني من رأسه إلى قاعه دونما حواجزَ وجدران، كما قالت لي جدتي، الثائرة و التاريخ يشهد لها بذلك، فهي مَن يرتسم على جَبينها الوطن، وفي تجاعيد وجهها مأساة الوطن، وفي جبينها خارطة الوطن.
جدتي بنعليها الممزقين صالت وجالت بلادي، وتغلغلت أنفاسها بهواء كل شِبرٍ من هذا الوطن، ولامسَت تُرابه وثِماره وماءه، وكلَّ مكانٍ فيه، صفد وحيفا ورأس الناقورة وأم الرشراش وغزة وعكا وقباب المسجد الأقصى.
حباتُ قمحها تناثرت لحمام القدس شاهدةً على ذلك، هي إرثٌ لنا كما الأرض، كما التاريخ، وكما دماء الشهداء التي روت تراب فلسطين وضربت جذورنا في أعماق الأرض، وكما علَّمنا الأجداد بأن “الأرض كالعِرض”، هي وطنٌ ومن ضيّعه فلا معنى لوجوده إذن، وهو من الخاسرين الضالّين.
فنحن صامدون على أرضنا مقابل هذا الاحتلال الذي يريد أن يقلع الحجر والشجر والإنسان الفلسطينيّ وكل شيءٍ عن هذه الأرض ليتفرّد بها وحده، لكن أنّى لهُ ذلك، لنا وطنٌ يعيش فينا وسنعود له يوماً، سنعود، وأنا سأَنسج خيوط هذه الكلمات في عقلي، وأغني موسيقى الوطن الجريح..أنا الأغنية والوطن، بل كلّ الأسرى هم أغاني الوطن الحزينة.
نومٌ هادئ مع نسمات الهواء الباردة النّقية، استيقضنا صباحاً على مُناداة السّجّان، عدد عدد، وتعكّرت أحلامي التي كنتُ أنسجها دون ارتباطها بالقيد، كانت للحرية وللوطن ولأغانيه.