
كتبت: سعاد محبوبي
ما الأصعب، أن تكون المرأة زوجة شهيد، أم ابنة أسيرٍ فـشهيد؟ أم أن تكون أسيرة في سجون الاحتلال.
سعاد عبد الكريم أرزيقات، لم تكن تحلم بأكثر من حياة طبيعية هادئة، كباقي بنات جنسها، حياةً خالية مِن الحروب و الرُّهاب النفسيّ الذي تسبب الاحتلال به، لكن القدر كَتب لها أن تولد هناك في بقعة مُتنازع عليها، وُلِدت هناك و انتهى الأمر، و هل يَستعرُّ الشخص من بلده؟ كلاّ، خاصة و إن كان هذا البلد، فلسطين.
طفلةٌ بغير طفولةٍ فـصبيةٌ مليئةٌ بالعنفوان، فـشابةٌ طموحةٌ تشق طريقها بحثاً عن ذاتها لتحقق أحلامها الثكلى، كانت سعاد طالبةً مخطوبةً لابن عمتها محمد، حينما اعتُقِلت أول مرة مِن طرف الاحتلال سنة 2008، و كما قالت في أحد اللقاءات الصحفية فيما يخص تهمتها، في قانون الاحتلال: ليس بالضرورة أن ترتكب جُرماً كي تُعتقل، فالهويّة الفلسطينية وحدها كافية لتصبح خطراً يُهدّد دولتهم المزعومة.
في الَأسر، عانت كثيراً كباقي أخواتها الأسيرات بدءاً بالتأجيل المُتعمّد للمحاكمة إلى التضييق وصولاً إلى الإذلال داخل الزنازِين، هي معاناة واحدة وإن اختلفت القصص من أسيرة إلى أخرى.
قضت سنةً و نصف بعيداً عن الأهل والزوج المستقبلي، سنة وبِضع شهور، كانت هذه المدة كافية لتسلبها السعادة وتُدخِلها في دوامةٍ من الحزن والقلق الكبيرَين، خاصّةً بعد أن سمعت خبر اعتقال الاحتلال لأخوَيها ووالدها فيما بعد.
لكنها مع الله، أنّا لها أن تيأس و تَضمر!، فبعد انقضاء مدة محكوميّتها سنة 2016، عادت إلى أهلها و إلى رفيق دربها وإلى حياتها الطبيعية وسط فرحةٍ عارِمة، بعد أن فقدت معناها داخل سُجون القهر.
تحقّقت الأماني و تزوّج الحبيبَان ظناً منهما بأن نكبتهم انتهت، ولن يتطفّل القدر مرة أخرى على حياتهما، لكن هيهيات هيهيات، فالشعب الفلسطينيّ خُلِق ليفرح قليلاً و لِيشقى كثيراً، فبعد عشرين يوماً من غياب زوجها عنها بغير إرادته، كان عائداً من عمله، فإذا بسيارة يقودها مستوطن بسرعة جنونيّة، تكسِر رِجلَه، لم تكتفِ بذلك بل أصرّت على أن تقتل بقايا أملٍ لديه، فدهسته مرة أخرى، لتنهي حياة قلبان في آن واحد بتراجيديّة لا تُصدَّق ولا تُحتمَل.
كيف لقلبٍ عاش الويلات أن يَستقبل خبراً كهذا ؟!
بعد ستة أشهرٍ فقط من زواجهما، استشهد الزوج، لم يكتفِ الاحتلال اللّعين بذلك ليعتقل أو لنسمي الأشياء بمُسمَّياتها و نقول بأنها اختُطِفت (إدارياً) وهي لا تزال تحت تأثير صدمة فِراق الحبيب، لم تنتهِ قصة السُّعاد عند هذا الحد، فمعاناة الشعب الفلسطيني تُختصَر في ثُنائية الحزن و الفرح، فقد استُشهِد والدها إثر مرضٍ أصابه في فترة اعتقاله.
فأصبحت أرملة شهيدٍ وابنة أسيرٍ سابقٍ ثم شهيد..