
بقلم عصمت منصور
لا يوجد مشهد يمكن ان يختزل حالة التردي والانحطاط التي تمر بها قضيتنا الوطنية من مشهد مجموعة الاسرى المحررين الذين قطعت رواتبهم وهو يفترشون الأرض ويلتحفون السماء على قارعة الطريق للمطالبة باستعادة حقهم في تقاضي رواتبهم التي قطعت دون ان يتكلف أحد بإبلاغهم لماذا والى متى.
ان هذا القرار لا قانوني ويدوس ليس قيمنا ومثلنا الوطنية فقط بل القانون الفلسطيني الذي جاء بعد نضال طويل لينصف الاسرى من جهة ويحمل رسالة لا لبس فيها للعالم تفيد اننا مجتمع مقاوم يعلي من شأن مقاوميه ويضع مسالة حياتهم الكريمة هم واسرهم على راس أولوياته.
واليوم اذ تقدم السلطة على قطع رواتب قرابة ال٣٠٠ اسير فأنها بهذا تقول للعالم ان مسالة نضالنا مسالة تقبل التأويل وان الرواية الإسرائيلية هي الأخرى مسالة قابلة للتصديق هذا ناهيكم عن الاثار الانسانية والمعيشية الصعبة التي يضع هذا القرار الاسرى بها هم وعائلاتهم التي بنوها بعد ان سلخوا عشرات السنوات من عمرهم داخل سجون الاحتلال.
اننا اذ نقف ضد هذا القرار الجائر انما من مطلق ايماننا بقدسية ومشروعية نضال هؤلاء الاسرى وحقهم علينا كمجتمع بان نؤمن لهم مستوى حياة يليق بهم وبتضحياتهم وأيضا من ايماننا المطلق ان نضال شعبنا لازال في ذروته وان قيمة النضال وتعزيزها من خلال نشر ثقافة المقاومة والتصدي لإسرائيل الى جانب الاهتمام بالمناضلين وتقدير تضحياتهم ورد الجميل لهم على اعتبار انهم النواة الصلبة والرافعة التي يقوم عليها مشروعنا الوطني.
ان اعتقاد السلطة ان العبث في هذه القضية والمس بقدسيتها ان لأسباب لها علاقة بالانقسام الداخلي وصراعها مع حركة حماس او مسايرة وانحناء وان كان تكتيكي امام الضغوط الإسرائيلية والأمريكية قد يكسبها بعض الوقت ويمكن ان يخفف من حدة الهجوم عليها لهو اعتقاد خاطئ وسوف يقود لنتائج عكسية تماما.
ان هذا التصرف مهما كانت دوافعه وتفكير الذين أقدموا عليه سوف يفتح شهية إسرائيل الى المزيد وصولا الى تجريم النضال الفلسطيني وادانته والصاق تهمة الإرهاب به وشطب روايتنا التاريخية التي يستند على عدالتها شعبنا في نضاله العادل.
ما يثبت هذا الافتراض ليس معرفتنا الجيدة بطبيعة إسرائيل فقط بل تزامن هذه الحملة على مخصصات الشهداء والأسرى مع حملات مشابهة ضد الشهداء والمطالبة بتغير أسماء الميادين والشوارع التي أطلقت أسمائهم عليها وصولا الى هدم نصب الشهيد خالد نزال في جنين والذي تتهمه إسرائيل بالإرهاب دون ان تقول كلمة واحدة عن القضية التي ناضل من اجلها وكونها هي من اغتالته.
تشعر إسرائيل انها اضعفت كثيرا حركات المقاومة من خلال إجراءاتها القمعية وعقوباتها الجماعية وقوانينها الرادعة وزج الالف منهم في السجون ممن لم تنجح في اعدامهم ميدانيا، وان العقبة الوحيدة التي تقف في وجهها الان والتي تحرك الشباب وتحفزهم على تنفيذ عمليات مقاومة فردية ضدها هو الثقافة الوطنية وروح الانتماء والاستعداد للتضحية لذا تجدها تستهدف أعمق نقطة في وجودنا كشعب تحت الاحتلال وهو وعينا الوطني وذاكرتنا وهويتنا.
من هنا فأننا ندعو الى التراجع فورا عن هذا القرار لست عطفا على الاسرى ولا رأفة بحالهم بل لانهم وما يمثلونه من قيم وروح ومعاني تجسدون الأرضية الصلبة التي ينطلق منها شهبنا في مقاومته للفاشية الإسرائيلية وارهابها.