
كتب: المحرر بلال ستيتي
يوجد عيدين للمسلمين هما، عيد الفطر السعيد، وعيد الأضحى المبارك، وما يميزهما، هو اجتماع الأهل جميعاً؛ ليفرحوا كما أمرهم الله بعد أداء العبادات في رمضان أو في أيام الحج التي يحرم فيها الأسرى من القيام بشعائرهم الدينية.
ولكن العيد في المجتمع الفلسطيني له خصوصية معينة لا توجد عند شعوب الدنيا كلها؛ نتيجة الاحتلال الإسرائيلي الذي يقطع وصل العائلات من خلال السجون الكثيرة المنتشرة، والتي يسكنها الآلاف من الشباب الفلسطينيين، فهم يقضون زهرة شبابهم بداخلها؛ نتيجة حبهم لوطنهم ورغبةً في مقاومة الاحتلال، كما أن الاحتلال أيضاً يتعمد في أيام الأعياد أن يعتقل الفلسطينيين لينغص عليهم حياتهم.
زيارات العيد
العيد في السجون الإسرائيلية له عند الأسير الفلسطيني، شعور مجبول بالآهات مع الكرامة، بخلطة غريبة عجيبة لا يشعر بها إلا من تذوقها، فالبعد عن الأهل والأحبة والأطفال، وخاصةً في فترة العيد يُعد من أكثر الأيام قسوةً في فترة الاعتقال على الأسير الفلسطيني.
فهناك في الأسر من أمضى عشرات الأعياد بعيداً عن الأهل والأحبة، وتزداد قسوة العيد في السجن إذا كان لدى الأسير زيارة من أهله، في ذات اليوم، وما أصعبه من شعور، وقد رأيته في العام 2007 في عيون الأسرى في سجن مجدو، حيث كانت الزيارة تختلف عن الزيارات الأخرى، ورغم أنني كنت ممنوعاً من الزيارة، ولكن الأحاسيس التي رأيتها في عيون الأسرى لا تُنسى.
يبدع الأسرى دائماً في تحدي واقعهم، وغيظ السجان بالاحتفال في العيد؛ لكي لا يُظهروا الانكسار أمامه، فيُحضِّرون المعمول والحلويات المختلفة، كالبالوظة وغيرها، ويحتفلون ويقيمون صلاة العيد، ويتزاورون ويهنئون بعضهم بعضاً بطرقٍ وآلياتٍ مختلفة تختلف من سجنٍ إلى آخر، حسب طبيعته وظروفه، فالسجون الإسرائيلية تختلف من سجون مركزية، إلى معتقلات، وخيم، فالعيد داخل الغرف يختلف عنه في الخيام، ولكن تجتمع فيه إرادة الفرح الممزوجة بالألم وتحدي السجان وإظهار السعادة رغماً عنه.
تحضيرات العيد
يبدأ الأسرى بالتجهيز للعيد قبل أيام من خلال تجهيز الحلويات وصُنع المعمول بطرقٍ بدائية، وتنفيذ إبداعات خاصة للأسرى من المكونات والبدائل في صنعها، ففرضاً يستخدمون السفن أب بدلاً من الخميرة المهمة لصنع الحلويات، ويستخدمون غطاء علبة الشامبو كقالب لعملها فيجهزون المعمول وغيرها من الحلويات المختلفة.
كما ويقوم الأسرى بتجهيز الزينة للغرف أو الخيام من الجرائد بقصها بشكل زينه مختلفة، ويقومون بوضع الملابس بطرقٍ خاصة تحت الفرشات لكي تكون مكوية جميلة في يوم العيد، وتقوم التنظيمات الفلسطينية المختلفة في السجون بتوزيع هدية العيد على أفرادها من الكانتينا الخاصة التي يشتري من خلالها الأسرى أغراضهم في السجون، ويقوم الأسرى بحلق شعورهم في المِحلقة الخاصة التي يديرها الأسرى بأنفسهم.
صباح العيد تبدأ الصلاة بالتكبير بصوت مرتفع لإغاظة العدو، وبعد الصلاة يصطف الأسرى بجانب بعضهم بعضاً للسلام والمباركة بالعيد لزيادة اللحمة الأخوية بينهم، وخاصةً حين يكونون من مختلف التنظيمات الفلسطينية، ويتناولون الحلويات والمعمول والتمر، حسب كل سجنٍ وظروفه.
ففي السجون المركزية التي يعيش فيها الأسرى بغرف مغلقة ويخرجون فورة فقط من 3-4 ساعات يومياً صباحاً ومساءً يعودون إلى غرفهم ويُعدون الفطور كلٌ في غرفته، ومن بعدها تكون فورة وزيارات للغرف لتبادل التهاني بين الأفراد بصورةٍ شخصية أو زيارات من مسؤولي التنظيمات الفلسطينية من أجل زيادة اللحمة بينهم.
يشتري الأسرى عادةً حلويات وشوكلاتة، ويكتبون عليها كهديةٍ يبعثونها مع المردوان، وهو الأسير الذي يوزع الأكل والحاجيات بين الغرف لمن أرادوا من الأسرى كتعبيرٍ عن العيدية، والأسرى يردونها بنفس الشكل.
أما الغداء فيكون مميزاً يومها، فالأسرى يطبخون المناسف أو يشوون الدجاج بطرقٍ عجيبةٍ من إبداعات الأسرى، ويبقى التزاور والتهاني إلى نهاية اليوم، وبعدها يعود كل أسير إلى تذكر أهله وأحبابه وأطفاله، وقد يكون هناك فقرات من النشيد والغناء في الغرف حسب الظروف.
عيد النقب وعوفر
بينما في المعتقلات أو السجون المفتوحة مثل النقب وعوفر فيكون العيد مختلفاً؛ فبعد صلاة العيد والتكبير بصوتٍ عالٍ يصطف الأسرى للتسليم والمعايدة، ويتم توزيع الحلويات في الساحة، وبعدها يكون الفطور في الساحة أيضاً، ويزور الأسرى بعضهم ما بين الخيام طوال اليوم بسبب طبيعة القسم فهو مفتوح.
أما وقت الغداء فيكون مميزاً، إلى أن يأتي المساء، حيث يُقام حفلٌ جميلٌ للترفيه عن الأسرى، فيه الأناشيد والأغاني الوطنية والمسابقات والمسرحيات وتوزيع الحلويات المختلفة والألعاب؛ لكي ينسى الأسير أنه بعيدٌ عن أهله، فيتم التلاقي والتآخي ما بين الأسرى، وما بين أبناء التنظيمات الفلسطينية المختلفة .
أفراح الرملة
العيد في السجون الإسرائيلية أملٌ وألمٌ معاً، ألمٌ من البعد عن الأهل والأحبة، وأملٌ بغدٍ أجمل خارج السجون المظلومِ أهلها، ولكن ما يسبب غصةً هو عندما نتذكر الأسرى المرضى في سجن مستشفى الرملة الذين لا يستطيعون الفرح بتاتاً.
في مستشفى الرملة يعيش الأسرى الألم المتواصل بشكلٍ دائم، فقد عشت عيداً من الأعياد الثمانية التي عشتها في داخل السجون في المستشفى، وكان من أصعب الأعياد على النفس.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أسرى أمضوا خمسين وستين عيداً داخل الأسر، بعيداً عن الأهل مثل نائل البرغوثي وكريم يونس وغيرهم، وكذلك الأسرى المعزولون الذين لا يرون أحداً، أعانهم الله وفك أسر جميع أبناء الشعب الفلسطيني.
العيد فرحةٌ يسرقها السجين من أنياب سجانه رغماً عنه؛ ليؤكد له بأنه إن كان قد منع الجسد عن الحركة؛ إلا أنه لا يستطيع أن يمنع الروح من زيارة أحبابها والفرح معهم رغم البعد والفرقة.