عين على السجونواقع السجون

الشّتاء في السّجون

كتب : بلال ستيتي

إنّ فصل الشّتاء في سجون الاحتلال الصّهيوني هو أسوأ الفصول التي تمرّ على الأسير الفلسطيني وخصوصا في سجني عوفر والنّقب لعيش أغلب الأسرى في خيم ﻻ تقيهم من برد الشّتاء القارس في منطقتي النّقب ورام الله، وﻻ يوجد أيّ تدفئة تقي الأسرى من الأمراض ومن انخفاض الحرارة في فصل الشّتاء، وﻻ يوجد ملابس أو أغطية كافية من أجل التّدفئة، فوسيلة التّدفئة الوحيدة التي يستخدمها الكثير من الأسرى هي زجاجات الماء السّاخن التي يضعونها في الفراش ليلا، وهي ﻻ تفي بالغرض، لذلك ينخر البرد في عظام أسرانا واعصابهم وﻻ يجدون غير حبّة الاكامول علاجا ممّا يزيد من معاناتهم المعيشيّة في الأسر.

إنّ أكثر ما يزيد صعوبة على الأسرى في فصل الشّتاء هو العدد اليومي ثلاث مرّات حيث يجب على الأسرى أن يخرجوا إلى السّاحة في عزّ البرد والمطر من أجل العدّ، ومن ثمّ يعودون إلى الخيم، وكلّ خيمة يسكنها عشرون أسيرا ، يعملون على تغطيتها بالنّايلون لحماية أنفسهم من الماء والغبار وغيرهما ، وفي أغلب الأحيان يغمر الماء الخيم فتتلف الأغراض والفراش والملابس.

وفي عام 2008 أمضيت الشّتاء ما بين سجني النقب قسم الأقفاص وسجن مستشفى الرّملة، وحصلت عاصفة من الغبار والمطر في سجن النقب، واشتدّت العاصفة بعد صلاة الفجر وأزاحت غطاء الخيم عن مكانها ودمّرتها بالكامل فهبّ الأسرى الشّباب إلى الصّعود إلى أعلاها مضحّين بحياتهم من أجل إعادة الغطاء إلى مكانه وتثبيته بشكل ﻻ يسمح بدخول الماء والغبار إلى الدّاخل مرّة أخرى، والسّجّان يكتفي بالمشاهدة دون تقديم أيّ مساعدة للأسرى بغية حمايتهم والمحافظة على حياتهم ، وقد كاد أحد الأسرى أن يستشهد أو أن يصاب بشلل نتيجة وقوعه ولكنّ الله لطف به وبإخوانه.

ولق

ولقد استمرّت هذه العاصفة عدّة أيّام فلم يكن الأسرى ينامون ليلا أو نهارا من البرد القارس وعدم وجود التّدفئة أو الغطاء الكامل للخيم ودون أن يتوفّر الحدّ الادنى للمحافظة على حياتهم.

ففي مثل هذه الأيّام العصيبة التي ﻻ يستطيع الإنسان أن يخرج من بيته وقد ﻻ يبتعد عن التّدفئة المختلفة التي تكون بجانبه ويلبس ملابس كثيرة تقيه من برد الشّتاء القارس، والأسرى في سجون الاحتلال يعانون الأمرّين في هذا الفصل وخصوصا المرضى وكبار السّنّ الذين يعانون أوجاع المرض المختلفة مع البرد الشّديد وﻻ مساعد لهم إلاّ الله.

قد يتساءل أحدهم “كيف يمضون أيّامهم إذا، وماذا يعملون في هذا الجوّ البارد والظّروف الصّعبة التي يعيشونها، وكيف تمضي بهم الأيّام في فصل الشّتاء في سجون الاحتلال الصّهيوني؟ إنّ التّدفئة بالخيم تكون من أنفاس الأسرى الخارجة منهم فترة المطر والبرد القارس وفي كلّ خيمة يعيش عشرون أسيرا، ويعمل كلّ أسير على لبس كلّ ما يستطيع من ملابس رغم قلّتها والتّدفئة بأكثر من بطّانية -إن وجد- لكي يحافظ على دفء مناسب لجسمه واللجوء إلى النّوم أو قراءة القرآن أو الكتب المختلفة حتّى يجعل كلّ انشغاله في أمر ينسى به البرد القارس الذي يحسّ به.

وقد يتسامر الأسرى بعد إعداد الشّاي السّاخن للتّدفئة والحديث عن الذّكريات في فصل الشّتاء مع الأهل والأصحاب خارج السّجون، وتبادل النّكت والمعلومات الجميلة الطّريفة ممّا يجعل أيّامهم تمضي “بسرعة” رغم أنّ يومهم بعشرة من أيّامنا على الأقلّ، ورغم مايكابدونه في فصل الشّتاء فإنّهم يستمتعون بتحدّي السّجّان وتحدّي الواقع الذي يعيشونه يقوّيهم إيمانهم بأنّهم أصحاب قضيّة عظيمة سجنوا من أجلها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى