كتبت : سعاد محبوبي
تَستقبل المرأة الدّورة الشّهرية كضيفٍ ثقيلٍ .. فقد اعتادت أن تتعامل معه بمفردها، لكن عندما تصبح هذه المرأة أسيرة عدوّ صهيوني مُتجرّد مِن إنسانيّته، فإنه سُرعان ما يصبح من الصّعب عليها تخطّي تلك الحالة تحت ضغوطات السّجّانين و تهديداتهم.
فمن المعلوم أنّ نفسيّة المرأة عموما خلال أيّام ما قبل الدّورة و
أثناءها تتغيّر بتغيّر هرموناتها وتتقلّب فَـتُصبح مزاجيّة يَصعب التعامل معها وفهمها حينئذ والتّحكّم في انفعالاتها.. ناهيك عن تلك الآلام الجسديّة في مناطق مختلفة من الجسم، و التي تُعاني منها 80% مِن نساءِ العالَم بحسب دراسة حديثة.. فكيف لها أن تعيش كلّ تلك التّقلّبات في غرفة تحقيق قذرة بين شياطين على هيئة بشر بملابس خفيفة لا تُسمن و لا تُغني مِن دفء؟؟؟
تقول إحدى الأسيرات التي عاشت التّجربة.. بأنهم يتعمّدون تمديد وقت التّحقيق لساعاتٍ طويلة خلال فترة الدّورة تحت صُراخ المحقّق و ألم الجلوس على كرسيّ حديديّ لفترة طويلة دون حِراك.. ففي ذلك فرصة ثمينة لاقتناص أكبر قدر من المعلومات مِن الأسيرات وإجبارِهنّ على الإعتراف بالتُّهم الموجّهة في حقهنّ و هُنّ في أضعف حالاتهنّ.. وهو مايمثّل انتهاكا صارخا للإنسانيّة تحت تصفيق ومباركة المنظّمات “اللّاإنسانيّة” العالميّة، التي تعمل في الخُواء لا الخفاء مِن أجل الجاني، وعلى حساب الضحيّة.. “كنتُ أقطع البطانيّة الخشِنة، وأستخدمها بدل الفوط الصّحّية، لمنع سَيلان الدّم على ملابسي الدّاخلية، وقد مكثتُ في غرفة التّحقيق 40 يومًا، ولم أكن أحصل على الفوط الصّحّية، وقد باغتَتني الدّورة الشّهرية مرّتين خلال فترة التّحقيق” تَعود هذه الشّهادة للأسيرة الفلسطينيّة «عطاف عليان» التي اعتُقِلت في العام 1987″ ..
في مقابلةٍ لي مع إحدى الأسيرات التي عاشت نفس التّجربة.. روَت لي تفاصيل الاعتقال والأسر والتّحقيق المأساويّة.. تقول محدّثتي: “في ليلة اعتقالي قام جنود الاحتلال بتفجير باب المنزل ومداهمتنا ونحن نِيام، وصلتُ إلى ملابس الصّلاة بصعوبة بعد أن تَمّ تصويب الأسلحة نحونا أنا وزوجي.. وعندما أخبروني -بعد تحطيم باب المنزل وتخريب ما بداخله- بأنّ أمر الاعتقال لي أنا، قمتُ وطلبتُ مِن المُجنّدة التي ترافقهم بأن أرتدي ملابسي فارتديتُ “بنطالين وعدّة (بلايز) ولبستُ شالة من الصوف ولففتها على بطني” لأنّنا كنّا في أواخر فصل الشّتاء آنذاك، والبرد شديد جدّا.. لكنّ المعاناة لم تقف عند البرد وقسوة الجوّ، فقد كنتُ في فترة دورتي الشّهرية حينئذ.. وبعد ارتدائي للملابس طلبتُ منها أن آخذ معي أدويتي، فعارضَت في بداية الأمر، لكن حينما أوهمتها بأنّي أعاني مِن مرضٍ مُزمن وافقَت، فأخذتُ حقيبة صغيرة ووضعتُ بها المُسكّنات والمحارم والفوط الصحيّة .. ولقد وصلت إلى السّجن بعد معاناة طويلة مع “البوسطة” والطريق المُتعرّجة وتعصيب الأعين، وتمّ ضربي بالسّلاح على ظهري مِن قِبل مُجنّدٍ حاقِد دفعني بطريقة وحشيّة عند ركوبي للمركبة وقعتُ أرضا علماً بأني كنتُ مُغمضة العينين ويداي مقيّدتان إلى الخلف.. فبقيت أتألّم مدّة من الزّمن بسبب تلك الوضعيّة، وبعد عناء وجهد كبيرين استطعتُ أن أجلس بالشّكل الصحيح و
السّليم.. ولدى وصولي إلى مركز التّحقيق أخذوا الحقيبة منّي بحُجّة أنّها أمانات ولا يجب أن يكون معي أيّ شيء بالزّنزانة.. طلبتُ مِن السّجّانة أن تُحضِر لي الفوط الصحيّة.. فتَمّ إحضارها لي بعد مرور وقت طويل على طلبي بحجّة أنّي كنت المرأة الوحيدة في مركز التّحقيق حينئذ، فاستعنتُ بالمحارم الورقيّة في انتظار الفوط الصحيّة.. و في أوّل ليلة لي بغرفة التّحقيق، تَمّ التّحقيق معي لمدّة 28 ساعة متواصلة وقد استخدموا معي “أسلوب الشّبح” على الكرسي الحديديّ مع وضعيّة اليدين للخلف وتقويس الظّهر.. أحسستُ وكأنّ ظهري يتمزّق، تفاقم وجع بطني فأصبحتُ لا أسمع ولا أفهم كما يجب مِن شدّة الألم.. كان التّعب باديا على وجهي وجسدي لكنّي لم أَشأ إعطائهم فرصة الشّماتة أو الاستهزاء بي.. كما منعوني مِن الذهاب إلى الحمام طِوال فترة التّحقيق..”
وختمت محدّثتي المقابلة بتوصيات للأسيرات أبرزها : أن يَكُنّ على دراية بكافة حقوقهنّ داخل الأسر، حتّى لا يستخدم الاحتلال جهلهنّ بحقوقهنّ القانونيّة كورقة ضدّهن.. و دعَت لكافّة الأسرى و الأسيرات بالحرّيّة والفرج القريب..” ولعلّنا من خلال هذاالمقال نكون قد نجدحنا في تسليط لضّوء على نوع آخر من المعاناة تعيشه الأسيرة الفلسطينيّة، فالمرأة التي تَعيشُ في ظروف طبيعيّة يتسنّى لها تخطّي آلام الدّورة واستعادة نشاطها وطاقتها المُستنزَفة، عكس الأسيرة بين الجُدران و تحت سَطوةِ الجلّاد ظروفها غير الطبيعيّة تجعلها تَتجرّع المَرارة عند قدومِ الضّيفِ غير المُرحّب بِه.