زاجل الأسرىكي لا ننسى

نحن الأسرى وهم الأحرار

 

كتب : محمود العايد

يخجل قلمي أن يكتب عن هؤلاء الأبطال الأشاوس الذين ضحّوا بأغلى ما يملكون دفاعا عن شرف الأمّة والقضيّة ومسرى النّبيّ الأكرم. تقف كلماتي عاجزة ساكنة جامدة لا روح فيها ولا حراك أمام تضحياتهم البطوليّة وصمودهم الأسطوري بوجه أعتى سجّان، حتى أفكاري التي لم تخذلني يوما خذلتني اليوم وأوراقي تبعثرت وتطايرت بشكلٍ مخيف لأنّ الكتابة عن الأسرى ليست مجرّد موضوع إنشائيّ عادي تُحضر فيه ورقة وقلما ثمّ تنسج عليها بعد ذلك ما تريد من عبارات وكلمات… إنّها أكبر من ذلك بكثير، إنّ دموعك تخنقها العبرات وستذرف بلا شعور مسبق عندما تدرك ماهيّة الحقيقة بأنّهم ليسوا أسرى وإنّما نحن الأسرى، فالأسير من يعيش عبدا مملوكا لغيره، ولا يستطيع أن يعبّر عمّا في خلجات صدره، أمّا هم فقد عبّروا وما زالوا عمّا في صدورهم بكلّ عزّة وأنفة وأرغموا السّجّان على أن يرضخ لكلّ مطالبهم، وانتزعوا حقوقهم منه رغما عن أنفه، ولقد كان بإمكان هؤلاء الأسرى ألاّ يكونوا أسرى من حيث المبدأ، لو أنّهم قبلوا الخنوع والخضوع وخافوا على ذواتهم ومستقبل أبنائهم كما قبلنا نحن.

إنّ قضيّة الأسرى لا تخصُّ أهل فلسطين وحدهم بل هي قضيّة إنسانيّة قبل أيّ شيء، تخصُّ كل إنسانٍ فيه روح الإنسانيّة بغضّ النّظر عن ديانته وجنسه، وبما أنّ هؤلاء الأسرى تمّ أسرهم لأنّهم دافعوا عن مقدّساتهم وأعراضهم فإنّ الأقربين أَولى بالدّفاع عنهم، ولا يخفى على كلِّ عاقلٍ ذي لبٍّ أنّ الأقربين هم الذين شهدوا لله بالوحدانيّة ولنبيّه بالرّسالة، فكان هؤلاء الأسرى إخوانهم في العقيدة وما يصيبهم من أذى سيصيب المسلمين تبعاته عاجلاً أم آجلا ولا مناص من ذلك، إن هذا العدّو المحتلّ لأرض فلسطين ليس عدوّا للفلسطينيّين وحدهم بل إنّ عداءه لكلّ المسلمين في أصقاع هذه الأرض، وهو منذ أن احتلّ فلسطين وبنى فوق ثراها الطّاهر كيانه الغاصب كان يفكّر بإخضاع كلّ بقعة عربيّة وإسلاميّة تحت سيطرته ولا يزال.

ونحن ندرك أنّ الأنظمة العربيّة لا تنصر شعوبها ولا تنتصر لها، ولهذا لن تنصر الأسرى والمسرى ومن يُعوّل عليها في نصرة الأسرى وتحرير الأقصى لا شكّ أنّه مصاب باضطراب عقلي وعليه بمراجعة بصيرته وذهنه وما يحكمهما، ونحن ندرك أيضا أن الشّعوب العربيّة والإسلاميّة ليست ميتة وأنّها حيّةٌ تسعى وأنّ بوصلتها تتّجه نحو القدس وأهلها وأنّ قضيّة الأسرى وتحرير المسرى تشغلهم، ولكن ليس على الوجه المطلوب منها وما تقوم به لن يعذرها أمام الله عزّوجلّ، ولعلّها تتذرّع بأنّها مكبّلة من أنظمتها التي تعترف بأنّ لهذا الكيان المسخ أحقّية بإقامة كيانه فوق أرض فلسطين وتهرول للتّطبيع معه.

لم يذق الأسرى هذا الويل والألم من أجل أن يُساوموا على أرضهم بل من أجل تحريرها حتى آخر شبر فيها فلا مكان للصّهاينة على أرض فلسطين، ولهذا أُسروا  وذاقوا أشدّ أنواع التّعذيب وأقساها، ولا يمكن أن يَخرجوا من المعتقلات بالمفاوضات العبثيّة والاتّفاقيّات الهشّة، هؤلاء الأسرى لن يخرجوا إلاّ بالمقاومة، وإذا هُزمت المقاومة فإنّ فرصة خلاصهم من قبضة المحتلّ تكون شبه مستحيلة ومعدومة. فهذا المحتلّ لا يفهم إلاّ لغة واحدة ألا وهي لغة الحِراب فكان لزاما على من يُحاوره أن يحاوره بالدّم واللّغة التي يفهم كما قال القائد الشّهيد عبد العزيز الرّنتيسي رحمه الله. وفي ذكرى صفقة وفاء الأحرار فإنّه يحقّ لهذه الأمّة أن تفتخر بما سطّرته المقاومة في ساحات الوغى وساحات السّياسة، ففي ساحات الوغى أذاقت العدوّ الخزي والعار وأسرت جنوده، وفي ساحات الدّبلوماسيّة أرغمت العدوّ على الرّضوخ لشروطها، فكانت هذه الصّفقة صفقة مشرّفة من حيث المضمون والتّوقيت الذي أُبرمت فيه. وإنّنا في هذه الذّكرى نطالب قيادة المقاومة الإسلاميّة حماس أن تعقد صفقة أُخرى مع المحتلّ الغاشم تحرّر فيها أكبر قدر مستطاع من الأسرى، وإنّ على المقاومة أن تدرك أنّ أسرانا في سجون الاحتلال يعقدون عليها الآمال بعد الله سبحانه وتعالى في تحريرهم وتخليصهم، ولهذا نقول للمقاومة لا خيار أمامك سوى المضيّ قدما في ذلك الدّرب فهو الطّريق الذي سيحرّر أقصانا وأسرانا وما سواه من طرقٍ ملتوية ليست إلأاّ مضيعة للوقت وخيانة للأسرى وتضحياتهم.

يا أسرانا البواسل في سجون الاحتلال أرجو أن تلتمسوا لي عذرا على هذا الكلمات التي لا تفيكم حقّكم ولا تعطيكم قدركم، واعلموا أنّكم أنتم الأحرار والرّجال ونحن الأسرى المقيّدين بالأغلال.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى