القدس المحتلةشؤوون الأسرى

اعتقال بسبب البحث عن دواء

كتبت: حياة أنور دوابشة

 

ربّما كان الوقت نهارا، وربّما كان ليلاً، رّبما كان أحدهم يشاهد مسلسله المفضّل، وربّما كان آخران يتنزّهان داخل أزقّة البلدة القديمة، ويفكّران في اجتياز منطقة باب العامود، وتوديع المدينة للمرّة الأخيرة، ربّما كانت الحياة تسير في كلّ الأماكن بشكلٍ اعتيادي، لكنّها بالنسبة إلى حالمٍ طموح قد تعقّدت فجأةً، وأصبحت مقيّدة.

في مكانٍ جغرافيٍ واسعٍ تخيّلتها، من الأماكن التي تحدث فيها النّهايات، وقفت تنتظر المجهول، وأصبحت جنديّةً في معركةٍ لم تنزل فيها يوما عن الفرس الأصيل، حين أحاط 200 جندي صهيونيّ بها وبزوجها وقطعة روحها، نجلها، وصوّبوا أسلحتهم وأضواء طائرتهم تجاه الوجوه المخطوفة اللّون لهول الصّدمة.

هنادي داود(93عاما) سكّان قرية صور باهر، قضاء مدينة القدس المحتلّة، لا تملك أن تمحو من مخيّلتها مشاهد الاعتقال الأولى لطفلها الأسير الموقوف علي صبرة(19عاما)، وتبدو كمن يلقي اللّوم على نفسه لأنّ قطعةً من روحه تمّ اختطافها.

اعتقال الأسير صبرة لم يكن عاديّا، ولا يبطل ذلك حقيقة أنّ كلّ الاعتقالات ليست عاديّة، لكن طريقة وصف والدته لاعتقاله بدت غريبة، فطفلها لم يكن قد أنهى اعتقاله الأوّل حتى أعاد الاحتلال اعتقاله مجدّدا، والأمر عندها أشبه باعتقال شخصٍ من داخل سجنه.

ويرجع ذلك إلى أن الأسير صبرة كان يقبع تحت أمر الحبس المنزلي، وقد اضطُرّت أمّه إلى نقله مستعجلةً لتلقّي العلاج بعيدا عن النّطاق المسموح له بتجاوزه بحكم وجود سوارٍ يحيط بقدمه ويضيّق عليها وعلى أحلامه وحدود تفكيره.

يعاني الأسير علي صبرة من مرض القلب، ولم يكن يتلقّى العلاج اللاّزم له حتّى وهو مقيّد بأمر الحبس المنزلي، نتيجةً لممارسات الاحتلال ضدّه، وعندما اضطرّت والدته إلى نقله للعلاج، أقدم الاحتلال على اعتقاله واعتقالها واعتقال زوجها كذلك.

بين ليلةٍ وضحاها، عادت عجلة الحياة للتّوقّف بالنّسبة لهنادي داود، عادت سلسلة المحاكم المؤجّلة لتكتم على أنفاسها وصبرها الأيّوبي… العدد 100 ليس بالعدد الصّغير بالنسبة إلى عدد المرّات التي اضطرّت فيها هنادي أن تشاهد طفلها أثناء المحاكمة من مسافةٍ بعيدة وتتحدّث معه بالإشارة، تسأله عن صحّته، فيطمئنها بابتسامته، ولكنّها تستشعر بعيونها أنّ قضبان الاحتلال قد أنهكت جسده.

بتاريخ 9/10/2015، اعتقل الاحتلال الأسير علي صبرة، واستمرّ التّداول في قضيّته مدّة تسعة أشهر، حتّى تقرّر إطلاق سراحه وتحويله إلى الحبس المنزلي، وفرض غرامة ماليّة بحقّه.

حينها، غادرت أمّ علي حياتها نهائيّا عقب هذا القرار، غادرت صور باهر، إلى قرية أبو غوش، هناك تقرّر عزل طفلها وإبعاده عن الحياة، تحت مسمّى الحرّية، وقالت أم علي جملةً قاتلة”لقد أصبحت أنا سجّانه”.

غادرت أم علي بيتها وتركت أطفالها وانقطعت عنهم مدّة غير قصيرة لمرافقة نجلها في تجربة الحياة النّادرة التي اضطرّت إلى خوضها، عليها أن تعتني به، ولأنّها أمّ لا تملك أن تترك طفلها يتألّم من مرضه، نقلته إلى المستشفى واخترقت شرط الحبس المنزلي…فاعتقله الاحتلال.

تنهمر الدّموع من عيني أم علي حين تتذكّر حكم الأسيرين عبد دويّات ومحمّد الطّويل، واللّذين اعتُقلا لذات قضيّة نجلها، فدويّات يقضي حكما بالسّجن مدّة 18عاما، في حين يقضي الطّويل حكما مدّته تسع أعوام، وتخشى أم علي أن يصدر الاحتلال بحقّ نجلها هذه المرّة حكما عاليا.

الأسير صبرة لم ينل حرّيّته عند التّدقيق في الأمر، لقد خرج من زنازين الاحتلال، ليدخل حبسا منزليّا ومن ثمّ المستشفى ثمّ يعود مرّة أخرى إلى المحاكم العسكريّة والبوسطة والتّحقيق المرهق.

تبدو أم علي كمن شاخ فجأة، حين اضطرّت إلى الوقوف على شبّاك الزّيارة في كلّ مرّة، واجترار الكلمات من فم نجلها ومحاولة تصديق بأنّه بخير، وأنّ صحّته جيّدة، وبأنّ مرضه لا يزداد سوءا بسبب الاعتقال، وبأنّه سيخرج معافى صحيحا، يقول لها في كلّ مرّة أنّه بخير، لكنّها تقول “هذا ما يقوله فقط”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى