
الأسير المحرّر م. بلال ستيتي
عبر تاريخ الثّورة الفلسطينيّة ومنذ عام 1948 نكبة فلسطين الكبرى دخل السّجون الصّهيونيّة حوالي المليون فلسطيني ليعيشوا واقعا صعبا جعلته دولة الاحتلال بؤسا وعذابا على الأسرى، بل إنّها جعلت كلّ أسير محرّر يعايش العذاب الذي كان يعانيه أثناء الأسر من خلال الأمراض المزمنة التي تلازمه لفترات طويلة، وقد تفقده حياته بعد سنوات كما حصل مع العديد من الأسرى المحرّرين.
بسبب عوامل متعدّدة وبين مختلف فترات الأسر وأثناء التحقيق وما قبل الحكم وإلى أن يخرج إلى الحياة العامّة مرّة ثانية، يتعرّض الأسير إلى مشاكل صحّيّة عضويّة ونفسيّة مختلفة تؤثّر على حياته بشكل كبير وتغيّر من واقعه، حيث أنّه لا يوجد أيّ علاج حقيقيّ داخل السّجون إلاّ عندما يصل الأسير إلى مرحلة الموت، فعندما يتمّ نقله إلى سجن مستشفى الرّملة مدفن الأحياء -الذي عشت فيه فترة طويلة من سجني مع خيرة أبناء شعبي وللعلم أغلبهم استشهد بعد خروجه من السجن أو داخله- لعمل فحوصات طبّيّة يتمنّى أنّه لم يذهب بسبب آليّة نقله بالبوسطة ما بين سجنه والمستشفى وفي هذا المقال أودّ أن أركّز على المتابعة الصّحّية ما بعد الخروج من الأسر.
بعد قضاء فترات زمنيّة متفاوتة في مدافن الأحياء يخرج الأسير مبتلى بالعديد من الأمراض المزمنة الظّاهرة وغيرها ممّا يحتاج إلى عمل فحوصات دقيقة في المشفى من أجل إعطائه العلاج المناسب قبل أن تتفاقم في جسمه العلل، ويكتشف الكثير من الأسرى المحرّرين أمراضهم بعد تحرّرهم بسبب عدم وجود المتابعة الصّحّية داخل سجون الاحتلال. ولقد كان هناك إجراء -توقّف من فترة زمنيّة طويلة- تقوم به وزارة شؤون الأسرى أو ما باتت تعرف الآن بهيئة شؤون الأسرى تعطي بموجبه الأسير المحرّر كتابا وتبعثه إلى المستشفى الحكومي في بلده من أجل عمل فحوصات شاملة.
ولقد أصبحت معاناة الأسير المحرّر منذ زمن تتمثّل أوّلا في غياب المتابعة الصّحّية له حيث أنّه لن يحصل على تأمين صحّي حكومي إلاّ إذا كان مجموع ما أمضاه في السّجون أكثر من 5 سنوات و3 سنوات للأسيرات المحرّرات وإلا ستكون عمليّة علاجه على حسابه الشّخصي.
وممّا يُعرف أنّ الأسرى المحرّرين يحتاجون إلى متابعة صحّية عضويّة ونفسيّة دائمة ومستمرّة بعد التّحرّر من الأسر لأنّ العديد منهم يعانون من مشاكل متعدّدة صحّية ونفسيّة من أهمّها ضعف التّكيّف والاغتراب النّفسي والاجتماعي مع المجتمع المحيط بهم والبعد عن الحياة العامّة لعدم تأقلمهم مع الحياة مع أسرهم ومجتمعهم وغيرها من الأمراض.
وإنّنا لنحتاج حقّا إلى وقفة حقيقيّة مع الأسرى المحرّرين ومتابعتهم بعد تحرّرهم من الأسر وتأهيلهم نفسيّا وصحّيا واجتماعيّا، فكم هي كثيرة المؤسّسات التي تعمل في مجال الأسرى في الأراضي الفلسطينيّة ولكن آخر اهتماماتها الموضوع الصّحّي للأسير المحرّر.
الأسرى المحرّرون هم ذخيرة الوطن وبوصلة التّحرير التي لم يتغيّر اتّجاهها، هم الأمل الذي نتنفّس منه حرّيّة وإباء وعزيمة، هم المنارة التي تنير طريق النّصر نحو القدس، هم آهات أشرف وربيع وأبو عطوان وغيرهم، هم مسك الأرض وعطرها، ولأسرانا سلام والملتقى بإذن الله ساحات الأقصى.