الأسرى المرضىبالورقة والقلم

الإعدام البطيء

كتب: رياض الأشقر

 

يحاول الاحتلال أن يُظهر أنّ سياسة الإهمال الطّبي التي يتعرّض إليها الأسرى تمثّل حالات فرديّة وعشوائيّة واستثنائيّة، بينما يدرك المتابع لتوجّهات الاحتلال وتعاطيه مع تلك القضيّة بشكل واضح أنّها سياسة عقاب صحّي جماعي وفردي،  وأنّ الإهمال والمماطلة في تقديم العلاج سياسة ممنهجة ومتعمّدة وتعبّر عن العقليّة الأمنيّة والعسكريّة التي تحكم السّجون.

وبنظرة سريعة على أوضاع الأسرى الصّحيّة نجد أنّ غالبيّة المعتقلين الفلسطينيّين يواجهون مشكلة في أوضاعهم الصّحية نظرًا لتردّي ظروف احتجازهم في السّجون الصّهيونيّة، سواء خلال فترة التّحقيق حيث يحتجز المعتقلون في زنازين ضيّقة لا تتوفّر فيها أدنى مقوّمات الصّحّة العامّة، بالإضافة إلى التّعرّض إلى سوء المعاملة، والضّرب والتّعذيب، والإرهاق النّفسي والعصبي، ممّا يؤثّر على أوضاعهم الصّحية بشكل سلبي.

وبعد نقلهم إلى السّجون يعاني الأسرى من عدم توفّر طواقم طبّية متخصّصة، وهناك بعض السّجون التي لا يوجد بها طبيب، وغالبًا ما يكون الأطبّاء في السّجون أطبّاء عامّين، لذلك ينتظر الأسرى فترات طويلة ليتمّ عرضهم على طبيب متخصّص.

وتستمرّ معاناة العشرات من المعتقلين الذين أجمع الأطبّاء على خطورة حالتهم الصحية، وحاجتهم الماسة للعلاج وإجراء عمليات جراحية عاجلة بما فيهم من مسنّين، وأطفال، ونساء، حيث ترفض إدارة السّجون نقلهم إلى المستشفيات، وما زالت تعالجهم بالمسكّنات التي يصفها الأطبّاء لجميع الأمراض على اختلافها ممّا يجعل من الأسرى المرضى شهداء مع وقف التّنفيذ ينتظرون دورهم في قائمة شهداء الحركة الأسيرة.

وهناك حالات عديدة مصابة بأمراض عصبيّة ونفسيّة وعدد من الجرحى والمبتورة أياديهم أو أقدامهم، وهؤلاء جميعا لا يتلقّون الرّعاية الصّحية المناسبة، كما أنّ عيادات السّجون والمعتقلات الصّهيونيّة تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الخدمات الصّحية، والأدوية الطّبية اللاّزمة، والأطبّاء المختصّين لمعاينة الحالات المرضية المختلفة ومعالجتها.

وبلغة الأرقام يعاني خُمس الأسرى في سجون الاحتلال من أمراض مختلفة بواقع (1200) أسير مريض، منهم (170) أسيرا يعانون من أمراض خطيرة بما فيها الفشل الكلوي، والسّرطان، السّكر، والقلب، والشّلل، وفقد البصر، وضمور العضلات وغيرها، ويحتاج الأسير إلى سنوات في بعض الأحيان ليتمكن من إجراء فحص مخبري أو صورة أشعّة، وقد أدّى تأخّر إدارة السّجون المتعمّد في إجراء بعض الفحوصات والتّحاليل الطبية التي تكتشف المرض في مراحله الأولى إلى تمكّن المرض واستفحاله في أجساد بعض الأسرى، وأدّى التأخّر المتعمّد في إجراء عمليّات جراحيّة عاجلة لبعض الأسرى الذين يعانون من أمراض خطيرة وصعبة إلى انعدام الأمل في الشّفاء ممّا يعرّض حياتهم إلى خطر حقيقي.

وبمزيد التّفصيل هناك (21) أسيرا يعانون من أمراض السّرطان على اختلافها، و(35) أسيرا معوقا حركيّا ونفسيّا، و(4) أسرى مصابين بشلل نصفى يتنقلّون على كراس متحرّكة، و(3) أسرى مصابين بإعاقات نفسيّة صعبة، و(5) أسرى يعانون من مرض ضمور العضلات، و(14) أسيرا يعانون من مشاكل بالقلب، و(4) أسرى يعانون من التهاب الكبد الوبائي، و أسيران كفيفان و(17) أسيرا يعانون من مشاكل بالكلى اثنان منهم مصابان بفشل كلوي كامل.

بينما يقبع في ما يعرف بمستشفى الرّملة (17) أسيرا منذ سنوات هم أصحاب أخطر الأمراض، لا يقدّم لهم علاج حقيقي أو رعاية طبّية سليمة، حيث لا يتوفّر بداخله أطبّاء مختصّون كأطبّاء العيون والأسنان والأنف والأذن والحنجرة، وعدم توفّر الأجهزة الطّبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصّة، كالأطراف الصّناعية لفاقدي الأطراف، وكذلك أجهزة التّنفّس والبخّاخات لمرضى الرّبو، والتهابات القصبة الهوائيّة المزمنة.

لقد أصبح الإهمال الطّبي في السّجون الصّهيونيّة أحد الأسلحة التي تستخدمها سلطات الاحتلال لقتل الأسرى وتركهم فريسة للأمراض الفتّاكة، حيث تنتهك سلطات السّجون الاتّفاقيات الدّولية ذات العلاقة بالرّعاية الطّبية والصّحية للمعتقلين المرضى، وخاصّة المادة (92) من اتّفاقية جنيف الرّابعة التي تنصّ على أن “تجرى فحوص طبّية للمعتقلين مرّة واحدة على الأقلّ شهريًّا، والغرض منها بصورة خاصّة مراقبة الحالة الصّحية والتّغذويّة العامّة، والنّظافة، وكذلك اكتشاف الأمراض المعدية، ويتضمّن الفحص بوجه خاصّ مراجعة وزن كلّ شخص معتقل، وفحصا بالتّصوير بالأشعّة مرّة واحدة على الأقلّ سنويّا”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى