
كتبت : هبة الجندي
ليس بالغريب أن تحتمل العائلة الفلسطينيّة الواحدة أصنافا مختلفة من الأذى والعذاب، وإذا ما رفعت السّتار عن تلك الأبواب المغلقة لوجدت عوائل فيها استشهد بعض أفرادها أو أُسر آخر بل هناك من العائلات من قدّمت للوطن الأسرى والشّهداء معا، ناهيك عن المطاردين والمفقودين وجميعهم مسلّمة أمورهم لله عزّ وجلّ.
عائلة السّايح هي واحدة من تلك العوائل التي تحمل حياتها فصلا واسعا من المعاناة والتّعرّض المستمرّ لعنجهيّة الاحتلال؛ بدأت القصّة في الخامس عشر من شهر نيسان من العام 2015، حين فوجئت الأسرة باقتحام بيتها من قِبل عدد من قوّات الاحتلال في ساعة متأخّرة ليتمّ اقتياد الزّوجة الأسيرة المحرّرة منى السّايح إلى الإعتقال في حملة شملت عددا من الفلسطينيّين والفلسطينيّات، ودون توجيه تهمة واضحة تمّ وضع منى خلف القضبان، وطبعا لم يُؤخذ في عين الاعتبار أنّ زوجها المريض بحالة صحّيّة سيّئة.
يمكنك أن تعرف حجم القسوة التي تعرّضت إليها منى من خلال حديثها … هي ذاتها القسوة التي تتعرّض إليها مئات الأسيرات بشكل يومي ول بأشكال مختلفة، من مضايقات كلاميّة وأخرى جسديّة على كافة المستويات الاجتماعيّة والدّينيّة والوطنيّة. وقد يبدو هذا الأمر طبيعيّا إذا ما فكّرنا بأنّ الكيان الصّهيوني هو في النّهاية احتلال ولا يمكن أن نكون ساذجين بحيث نتوقّع منه غير المكر والخديعة والظّلم والخِسّة، لكن ما يقرّ في النّفس من قهر ومرارة يكون بسبب تلك المسرحيّة الهزليّة الحمقاء التي يستمرّ الاحتلال بإسدال السّتارة عنها مرّة بعد أخرى حين يقيم محاكمة تحت اسم العدل وكفّة الميزان!!
كيف يمكن للجلاّد أن يكون القاضي؟ وكيف يمكن لصاحب الحق أن يصبح المتّهم ؟! وكيف يمكن للميزان أن يتحوّل إلى بندقيّة احتلال !؟ .. تلك الأسئلة يعرف الفلسطيني إجابتها سلفا، أو لربّما لم يعد يبحث عن الإجابات فقد توقّف عن طرح الأسئلة منذ زمن، وانصرف إلى السّعي إلى إيجاد الحلّ وتشكيله من الصّخر والعظم.
أثناء محاكمة الأسيرة منى السّايح وحينما حضر زوجها تمّ اعتقاله هو الآخر، وكان ذلك في الثّامن من شهر أكتوبر عام 2015، ليتمّ الحكم عليه لاحقا بمؤبّدين وثلاثين سنة لم يشرع في قضائها بعد لعدم مقدرته على الحضور إلى المحكمة لسماع النّطق بالحكم بسبب الحالة المرضيّة المستعصية التي يعاني منها.
وُصفت حالة الأسير بسّام السّايح بأخطر حالة مرضيّة خلف القضبان لأنّه يعاني من أمراض عدّة كسرطان العظام الذي تعاضد مع الاحتلال لينخر عظمه مسبّبا هشاشة تعيق حركته، وسرطان آخر في الدّم والتهاب رئوي تفشّى وساء بسبب الفطريّات الموجودة في “مشفى” السّجن، بما يؤكّد أنّ المشافي الصّهيونية ما هي إلاّ حلقة من حلقات الموت البطيء والتّعذيب التي تضيّق الخناق على الأسرى والأسيرات.
ورغم كلّ ما سبق ذكره من الأمراض التي يعاني منها الأسير السّايح فإنّ المرض الأخطر هو القصور بالقلب، والذي زاد أيضا بعد مسلسل التّحقيق والضّغط الذي تعرض إليه لدى اعتقاله والذي مايزال متواصلا حتّى الآن!
وإنّ هذه الحالة ما هي إلاّ مثال عن حالات كثيرة تبدأ صغيرة أو كبيرة ولكنّها تتعاظم وتنتشر في الجسد كالطّاعون بعد أن يتم اعتقال هؤلاء الأسرى، فالإهمال الطّبّي المتعمّد الذي يمارسه السّجّان يزداد وحشيّة يوما بعد يوم، ممّا يطرح التّساؤلات عن دور المنظمات الحقوقية وحقيقة وجودها أصلا؟ وأين هم دعاة المصالحة والحرّيّة والتّعايش مع الصهيوني؟! وهل يمكن حقّا للإنسان أن يمدّ يده لمصافحة قاتله؟!
ستمر تلك الأزمات لا محالة، وسيحلّ التّحرير يوما ما بلا ريب، غدا .. بعد عام .. بعد عشرة أعوام .. بعد خمسين! لا أحد يعلم متى ولكنّ الجميع يؤمن بأن هذا سيحصل، وحين يحصل ستظلّ أسماء هؤلاء الأبطال خلف الزنازين وخارجها وضّاءة كالقمر وشاهدة على عمالقة مرّت الحرّيّة عبر أجسادهم … لتغدو حقيقة.