
بقلم : سعاد محبوبي
“موجوعة” هذا ما قالته الأسيرة إسراء جعابيص من القدس في حديثها لوسائل الإعلام في إحدى محاكماتها غير العادلة.. لم تستطع التّكلّم كثيرا فاكتفت بتلك الكلمة التي تحمل أوجاعا لا تحتمل.
إسراء أم وحيدها معتصم، الإنسانة الرّقيقة و المرحة، لم تكن تعلم بأنّ جسدها ووجهها الجميل سيكونان ضريبة التّنقّل إلى بيت جديد… فتنقلب الفرحة حزنا و شؤما على إسراء وعائلتها..
ذات يوم وبينما كانت تقوم بنقل أثاث البيت ولوازمه بواسطة سيّارتها، أوقفها الاحتلال على حاجز وقام بإطلاق النّار باتّجاه سيّارتها التي كانت بداخلها إسطوانة غاز وتلفاز ممّا أدّى إلى انفجار الأسطوانة ومن ثمّ السّيّارة وإسراء بداخلها تحترق…
ورغم براءتها وفظاعة ما ارتكبوه بحقّها فإنّ ذلك لم يشفع لها عند الصّهاينة الذين اعتقلوها وتفنّنوها في تأجيل محاكمتها الغيابيّة رغم تدهور حالتها وخطورتها الشّديدة بسبب حروق الدّرجة الأولى التي أصيبت بها في سائر جسدها ووجها المشوّه بالكامل.
من المفترض أن تكون إسراء في المستشفى تتلقّى العلاج اللاّزم فتُجرى عليها العمليّات الكثيرة التي قد تعيد إلى جسدها بعضا من قدرته على الحركة وتخفّف آلامها المبرحة، ولكن للاحتلال رأي آخر، فبكلّ ما أوتي من حقد و كره حكم عليها بعد مسلسل التّأجيل المتعمّد للمحاكمة بأحد عشرة سنة سجنا نافذة بالإضافة إلى غرامة مالية…
و رغم كل أوجاعها وآلامها التي ليس لها حول ولا قوة في تغييرها إلى ما تشتهيه نفسها المتعطّشة للحرّيّة فإنّها مازالت تقوم بدور المهرّج في السّجن في محاولة منها للتّخفيف عن الأسيرات القاصرات اللّواتي يحببنها ويحببن مجالستها، وهي المحبوبة من كلّ الأسيرات اللاتي يتعلّمن منها فنّ الّصبر والحلم..
قبل شهر كانت عائلة الأسيرة “إسراء جعابيص” قد تقدّمت بطلب استئناف إلى محكمة الاحتلال لتخفيف مدّة الحكم، لكن محكمة الاحتلال قابلت الطّلب بالرفض رغم عدم وجود أيّ تهمة حقيقية موجهة ضد الأسيرة المصابة ضاربة بقوانين منظمة حقوق الإنسان عرض الحائط !
وبتاريخ الرّابع من الشّهر الماضي قامت إسراء بإرسال رسالة خطيّة إلى أختها “منى” تخبرها فيها بأنّها لا تستطيع قراءة رسالتها لأنّها قامت بإجراء عملية لعينيها، من أجل رفع الجفن السّفلي، و عمليّة أخرى كي تتمكّن من تحريك يديها، متمنّية أن يتابعوا علاجها بشكل مستمرّ.
ويذكر بأن الأسيرة إسراء جعابيص تحتاج إلى إجراء ستّ عمليّات مختلفة :
1- فصل الأصابع
2- تركيب أطراف
3- عمليات في الأنف
4- علاج التشويه الخارجي
5- علاج الأسنان
6- عمليات في الفم
وفيما يلي مقتطف من الرّسالة:
“بالنسبة إلى خروجي للعمليّة فإنّه قد فتح علي جروحي القديمة، وأعاد لي ذكريات الحادث بكل تفاصيله، حتى طعم البنج داخل فمي ولغاية الآن تلازمني هذه الذكريات بكل آلامها على الرغم من كل محاولاتي في النسيان.
بالنسبة للمشفى كان من المفترض أن أبقى هناك لمدة أسبوع، إلا أنني طالبت بإخراجي بعد يومين، لأنني بقيت مقيدة للتخت حيث كانوا يربطون قدمي اليمنى مع يدي اليسرى أو العكس وكانت الكلبشات مشدودة جدا وسببت لي جروح صعب في القدم واليد، ورفضوا طلبي بإرخائها قليلا مراعاة لوضع جسدي الحساس ولم أتمكن من احتمال آلامها الشديدة حتى عندما كنت أذهب للحمام كانوا يشدونها أكثر.
وهذا عدا عن أنني كنت هناك مع سجانة واثنين من السجانين وبقيت كل الوقت مضغوطه جدا
الأكل كان يصلني بوقت متأخر جدا…حاليا أقوم بالتغيير على ضمادة العين والإبط بمساعدة البنات ووضعي الحمد لله أفضل”.
في إحدى زياراتها جاءت ابنها “المعتصم” بقناع مهرّج غطّت به وجهها الذي شُوّه في تلك الحادثة الأليمة.. فقال لها
“ماما أنا أحبّك كما أنت..”
أتساءل الآن: فيما سيؤول إليه وضعها إذا ما استمر الاحتلال في سياسة التأجيل و المماطلة..؟ كيف ستعيش بجسد و أصابع محروقة، ووجه تغطّي تفاصيله الجميلة ندوب الحادثة؟ كيف تتعايش حاليا مع آلام الحروق التي تذكّرها في كل مرّة بأنّها عاجزة؟!
إسراء الزوجة، الأم، و قبل ذلك الإنسانة.. بأيّ ذنب اعتقلت؟!