
كتب : فيصل بامري
انطلاقا من فلسطين ومرورا بعدد من البلدان العربيّة والإسلاميّة والغربيّة أحيينا قبل أسبوعين تقريبا ذكرى يوم الأسير الفلسطيني دون اختلافات كبيرة عمّا فعلناه في السّنة الفارطة والتي سبقتها وفي غيرهما من السّنوات… وما إن انتهت الفعاليّات الخاصّة بيوم الأسير حتّى بدأت الأضواء تنحسر مجدّدا عن قضيّة الأسرى فغابت صورهم عن الميادين والسّاحات ونُزعت المعلّقات واللاّفتات الخاصّة بهم فيما عادت الأصوات المنادية بتحريرهم إلى مشاغلها الأخرى التي ستبعدها عن قضيّة الآلاف من أبناء شعبنا المغيّبين في السّجون الاحتلال سنة أخرى، حتّى إذا حلّ 17 من أبريل/نيسان القادم ستصدح بالحرّيّة لهم مجدّدا، أو لعلّ حدثا من داخل السّجون كاستشهاد أحد الأسرى أو إضراب جماعي تتجاوز مدّته الشّهر أو أكثر يكون كفيلا بلفت الأنظار مرّة أخرى إلى ما يجري في مقابر العدوّ التي رُمي فيها أسرانا وأسيراتنا.
إنّه لمن المؤلم حقّا أن يظلّ تفاعلنا مع قضيّة الأسرى “مناسباتيّا” محكوما بانتظار حدث قادح يعيد ترتيب أولويّات الشّارع الفلسطيني بمختلف مكوّناته ومن ثمّة الشّارع العربي والمجتمع الدّولي فتتصدّر قضيّة الأسرى الاهتمام وتسلّط عليها الأضواء متابعة وتحليلا وقربا من حقيقة الأوضاع في سجون الاحتلال.
وإنّه لمن المؤلم أكثر أن يكون تفاعلنا “المؤقّت” مع قضيّة الأسرى محكوما بالعاطفة فلا يزيد عن التّباكي والشّكوى والتّنديد أو رهين ممارسات بالية مسطّرة مسبقا من قبيل الاحتجاج وإصدار البيانات وإلقاء الخطابات والتّمسّح على أعتاب المنظّمات الإنسانيّة الدّوليّة…
يتكرّر ذلك في كلّ سنة فتعاد ذات الكلمات وتوزّع ذات الصّور أو أخرى أشدّ قسوة وقد فعل الأسر بالأسرى ما فعل، وتتكرّر الكثير من المشاهد وقد دبّ اليأس أو كاد في نفوس النّشطاء والمهتمّين بالقضيّة ولعلّه قد سبقهم إلى أفئدة أهالي الأسرى الذين لم تعد تحرّكهم فعاليّات يوم الأسير أو لعلّهم قد سئموا حضورهم ومشاركتهم فيها ذلك الحضور الصّوري الذي يدعوهم إليه المنظّمون رفعا للّوم والحرج وكسبا للتّعاطف والرّضا.
وفي ظلّ ما يحدث على السّاحتين الدّاخليّة والإقليميّة لا يمكننا أن نتفاءل خيرا في خصوص قضيّة الأسرى التي لن تتمكّن من أن تنفض عنها غبار النّسيان والإهمال إلاّ بحدوث تغييرات جوهريّة يشارك فيها الجميع دون استثناء. إنّها التّغييرات التي تمسّ صميم العمل لأجل الأسرى فتُحرّره من الحسابات الضيقة والتّحزّب والفصائليّة والمناسباتيّة والتّعاطف سريع الانطفاء ليحلّق في سماء العمل الجادّ المدروس الذي لا يخضع إلاّ لحقيقة واحدة وهي توحيد الجهود لتحرير الأسرى.
وبالعودة إلى حقيقة الأوضاع الرّاهنة سندرك سريعا صعوبة تحقيق ذلك، فالبعض يرى في نفسه أو في حركته المدافع الوحيد عن الأسرى والبعض الآخر لا يتحرّك لأجلهم إلاّ عند صدور الأوامر بالتّحرّك، أمّا بعض الأطراف الأخرى فإنّها لا تقلّ في إيذائها للأسرى وأهاليهم عن أذى الصّهاينة….فيما تخون الإمكانيّات الصّادقين وتمنعهم من القيام بدورهم على أكمل وجه.
ولعلّنا سنعود في النّهاية إلى ذلك السّؤال الذي يؤرق الأسرى وذويهم وكلّ مهتمّ لأمرهم أينما كان: إلى متى سيتواصل الأمر على ما هو عليه داخل السّجون والمعتقلات الصّهيونيّة وخارجها؟