
كتبت : هبه الجندي
كانت مستندة إلى جدار الزنزانة وهي تفكّر بصمت خجول في حاجتها لشرب كأس من الماء.. لكنّها كانت قد طلبت من زميلاتها قبل أقلّ من ساعة مساعدتها على الشّرب، هل تعاود الكرّة الآن؟
يمنعها الحياء فتسكن إلى نفسها مرّة أخرى.
– إسراء .. مالك ساكتة ؟ إحكي إشي؟؟ …. (تغافلها إحدى الزّميلات)
– آآه!؟ لا .. لا ما في اشي ..
– محتاجة إشي؟ جعانة؟ أجبلك مي؟
-لا .. لا شكرًا
لم تدرك أنّها رفضت هذا الطّلب للتّوّ إلاّ بعد مرور خمس دقائق على حوارها مع زميلاتها. نظرت إلى أصابعها أو ما تبقّى منها، أغمضت عينيها في محاولة لتذكّر شكل أصابعها وأظافرها، أغمضت عينيها بقوّة حتى عصرت دمعة سالت بصعوبة على الوجه المتعرّج بالتّشوّهات والحروق، فأسرعت إلى مسحها بظاهر يدها كي لا يلحظها أحد.
كم هو غريب مقدرة الإنسان على نسيان الكثير من الأشياء التي عاشتها ذات زمن قد مضى، نسيت إسراء شعور المقدرة على استخدام يديها في ربط الحذاء والإمساك بالقلم ورفع شعرها عن وجهها خلف أذنها، أشياء بسيطة للغاية صارت اليوم عبئًا بحجم الجبال.
– إسراء ..؟ وين رجعت سرحت؟ …. (قطعت صديقة أخرى في الزّنزانة حبل أفكارها)
– ولا مكان هيني هون
– مالك اليوم؟ المفروض تكوني مبسوطة … (قالتها أسيرة أخرى بتهكّم، فسألتها أخرى):
– ليش؟ شو في؟
– مش اليوم يوم المرأة العالمي …
ساد صمتٌ بسيط في أرجاء الزنزانة، توقّفت كل أسيرة عمّا كانت تفعله، تلك عن غسل ملابسها في الدّلو، وأخرى عن كتابة رسالة لابنها، وثالثة استندت بعد أن كانت مستلقية على البرش، ورابعة توقّفت عن صنع الخبز من فتات العجين، وركّزن عيونهن إلى محدّثتهن ثم أطلقن ضحكة عالية هرعت على إثرها السّجّانة غاضبة.
بدأت السّجّانة بتعنيف السّجينات لإصدارهنّ ذلك الصّوت وراحت تضرب بالعصا القضبان الحديديّة فأصدرت الأخيرة صوتًا مزعجًا وهي تشتم وتهدّد وتتوعد.
لم تتحرّك إسراء من مكانها ولكنّها أدارت وجهها إلى الجانب الآخر وراحت تردّد في خلدها ما قالته زميلاتها الأسيرة (مش اليوم يوم المرأة العالمي)، ابتسمت بمرارة وهي تفكّر أنّ هذا العيد ربّما كان موجودًا بالفعل لكنّه قطعًا لا يعني الأسيرة الفلسطينية ولا أمّ الشّهيد الفلسطيني ولا أخت الأسير ولا المرأة الفلسطينيّة عامّة.. لقد فكّرت أنّ اليوم الوحيد الذي ستحتفل فيه الفلسطينيّة باكتساب حقوقها الكاملة لن يكون سوى يوم التّحرير.