
بقلم : وليد الهودلي
ألقت زوجة المعتقل منذ ثلاث وثلاثين سنة الأسير وليد دقّة كلمة بمناسبة إحياء يوم الأسير، وضعت فيها الحضور أمام مأساة أسرى ثمانية وأربعين فتجلّت أوجه المأساة المتعدّدة حيث أنّ الأعلى فترة زمنية في السّجن الآن منهم وعلى رأسهم كريم يونس الذي دخل الخمس وثلاثين سنة متتالية، بينما قضّى نائل البرغوثي -من غير أسرى 48- سبعا وثلاثين وسنة إذا جمعنا له ما قبل تحرّره في صفقة وفاء الأحرار والسّنوات التي أضيفت إليه بعد إعادة اعتقاله.
إنّنا نتحدّث عن أرقام فلكيّة مذهلة ولولا إيمان هؤلاء بربّهم وقضيّتهم وعشقهم وانتمائهم العميقين لفلسطين لما تمكّنوا من قضاء عشرات السّنين خلف قضبان هذا الاحتلال البغيض، ولما تحمّلت أرواحهم سياط سجّان ساديّ لا يعرف إلاّ لغة القهر وسحق أعصابهم ليلا نهارا في حرب نفسيّة لا حدود لها.
وكشفت زوجة الأسير وليد دقّة السّبب في بقاء هذه الثّلّة كلّ هذه الفترات الطّويلة والمتمثّل في أنّ دولة الاحتلال تعتبرهم مواطنين “إسرائيليّين” ولا يحقّ للفلسطينيّين أن يطالبوا بهم ؟ّ! واستطاعت أن تترجم هذا الادّعاء وأن تفرضه على طاولة المفاوضات طيلة فترات التّفاوض فنجحت بالتّمسّك بهم وإبقائهم في السّجون .. ورغم أنّ صفقة وفاء الأحرار قد نجحت في إطلاق سراح ثلاثة منهم فكسرت هذا الادّعاء الصّهيونيّ وأثبتت زيفه فإنّ عددا لا بأس به منهم مازال في الأسر.
وعلّقت زوجة الأسير أملا على الصّفقة القادمة في أن تأخذ بعين الاعتبار حجم القهر والظّلم الذي تجرّعه هؤلاء الذين قدّموا أعمارهم وشبابهم وهم يواجهون خبث محتلّ وسادّيّته، وهو الأمل الذي يقف في مواجهة مخاوف تظلّ قائمة في ظلّ استمرار إمكانيّة تجاوزهم مجدّدا من قبل الفلسطيني المفاوض بناء على التّجربة التّاريخيّة معهم وغيابها أصلا هذه الأيام، أو رجحان كفّة ادّعاءات الاحتلال وإصراره على إبقائهم أسرى لديه بسبب هويّتهم “الإسرائيليّة”، فماذا نقول في شابّ طالب جامعي بعمر الثّانية والعشرين (وليد دقة) قد أصبح الآن شيخا في عقده الخامس وبالتّحديد بعمر خمس وخمسين سنة وما زال أسيرا في سجونهم؟ أمّا كريم يونس وماهر يونس فقد تجاوزا السّتّين والخمس وستّين فماذا ينتظران بعد أن ضاعت حياتهما في السّجون؟ إنّهما لا يحلمان إلاّ بالاستلقاء تحت ظلّ شجرة يتنسّمان عبيرها دون أن تلوّثهما أدران المعتقلات وزنازينها المظلمة بأحقاد من سجنوهما والمصرّين على تعذيبهما احتّى آخر لحظة من حياتهما.
إنّ أمل أسرى 48 -مثل غيرهم من الأسرى- هو ملامسة حياة مهما كانت قصيرة بين أبنائهم وزوجاتهم وأن تنبض قلوبهم الكبيرة مع نبض أحفادهم الصّغار وأن تسير أقدامهم على شارع طويل دون أن تضطرّ للانحناء استجابة لدورة الفورة الصّغيرة وأن يمدّوا أبصارهم ليروا البحر والأفق البعيد دون أن ترتدّ عن جدران السّجن العالية أو مربّعات الحديد التي تحيل زرقة السّماء سوادا ..
لا شكّ بأنّ ما نستخلصه بعد هذه التّجربة الفلسطينيّة الطويلة في التّعامل مع قضيّة الأسرى وبالنّظر إلى الطّريقة الجهنّمية التي صنّفت دولة الاحتلال أسرانا خاصّة أسرى الثّمانية وأربعين تصنيفها الخاصّ هو ضرورة إعطاء هؤلاء الأولويّة القصوى وأن يكونوا في مقدّمة من سيفرج عنهم في أيّة صفقة قادمة.