
كتب: محمود العايد
كلّما هممتُ بالكتابة عن أيّ جرحٍ من جروح الأمة التي لا تُعدّ ولا تُحصى أشعر بالقهر الذي لا يُوصف، وأتمنّى أن تلتهمني الأرض إلى باطنها فما عاد ظاهرها يغريني ولا يطاق بسبب الوهن الذي وصلت إليه الأمّة،
ويزداد قهري ويتعمّق جرحي ويتحشرج ويتضخّم وجعي عندما أكتب عن الأسرى وأحوالهم أؤلئك المنسيّين في غياهب السّجون وأيُّ سجون؟ إنّها سجون الاحتلال الصّهيوني الذي نكّل بكلّ الأمّة وسرق ثرواتها واحتلّ بلادها وسلب حرّيّتها وصادر ملكيّتها الفكريّة وقتل شيوخها واغتصب حرائرها وأَسَرَ خيرة شبابها. إنّ هذا العدوّ الغاشم لا يحترم ميثاقا ولا يعترف باتّفاق، وهو “لا يفهم إلاّ لغة واحدة ألا وهي لغة الحِراب” تلك الكلمات قالها الشّهيد عبد العزيز الرّنتيسي رحمه الله وقد اختزل فيها معالم الطّريق مع هذا العدوّ، والأسرى هم الوحيدون في هذا العالم إذا كتبتُ عنهم تذرف دموعي ويرتعش قلمي وتتسارع نبضات قلبي ويحتار عقلي، ماذا أكتب عن هؤلاء؟ وهل مثلي يُجيد الكتابة عن هؤلاء الأبطال؟ وهل فعلاً هذه الكلمات تلتمس لنا أعذارا ؟ أسئلة كثيرة تدور حول الأسرى وأجوبة معقّدة غير منظّمة وردود ستأتيك فتجعلك لا تدرك ماذا تريد؟
الأسرى في سجون الاحتلال كثيرون هم ويعاملون معاملة لا إنسانيّة ويتعرّضون إلى مضايقات لا أخلاقيّة، ومع ذلك لا تفعل السُّلطة شيئا لإخراجهم من المعتقلات، وهنا سأتحدّث بشكلٍ خاصّ عن الأسرى الأردنيّين وإن كنت أعتقد أنّ الأسرى لا تعنيهم المسمّيات، ولكنّي كتبتُ عن الأسرى الأردنيّين لأوصل صوتي إلى أصحاب القرار في الحكومة الأردنيّة بأن يتذكّروا أنّ هناك مواطنين أردنيّين يقبعون خلف قضبان الاحتلال.
ماذا فعلتم لإخراجهم؟
وهل استخدمتم أوراقكم لتحريرهم؟
وهل تتابعون حالتهم وكيف يتعامل الاحتلال معهم؟
وهل خصّصتم وقتا ومالا للإفراج عنهم؟
وهل أبلغتم سلطات الاحتلال بأن يتعامل معهم كأسرى ولا يهينهم وينال من كرامتهم؟
وهل تواصلتم مع الأسرى واستمعتم إلى مطالبهم؟
وهل وضعتم خطّة زمنيّة لكيفيّة إخراجهم؟
ماذا فعلتم يا أعضاء الحكومة من أجل هؤلاء الأسرى؟ أم أنّ الأمر لا يعنيكم وهو خارج حساباتكم واهتماماتكم، وهل تعرفون كم أعدادهم؟ ولماذا تمّ اعتقالهم؟ وهل تتابعون أوضاعهم؟
وماهو حال المفقودين؟ أم أنّكم لا تعلمون شيئا؟ وهل وجّهتم أسئلة للاحتلال عن مصير المفقودين؟ وكيف فُقدوا؟ هل أقمتم الدّنيا لتعرفوا شيئا عن حالهم؟
أُدرك كما يدرك غيري أنّ هذا الملف في طيّات النّسيان، وخارج أسوار الزّمان والمكان، لكن لن نقف مكتوفي الأيدي وسنبقى نصدح بأصواتنا عاليا وما على الرّسول إلاّ البلاغ، فأحببتُ أن أُخبركم أنّ لكم أسرى في سجون الاحتلال عددهم عشربن أسيرا وأنّ الاحتلال حرمهم من أبسط حقوقهم ألا وهي الزّيارة، فأهاليهم محرومون من زيارتهم، وليتكم تخاطبون الاحتلال ليسمح لأهاليهم بزيارتهم فإنّ أنين الأمّهات وأوجاعهنّ لا يمكن وصفها، فأقرّوا قلب كلّ أمٍّ وأبٍ وأخٍ وأختٍ بزيارة أسيره، وأذكّركم فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين بأنّ أعداد المفقودين تعدّ 30 مفقودا، أكتب وكلّي ألم علّ وعسى تحاكيكم ضمائركم فتستخدمون اتّفاقية وادي عربة كورقة ضغط للإفراج عنهم ومعرفة مصير المفقودين، لكنّي لا أعتقد أنّكم تستطيعون ذلك، لقد قتلنا الصّهاينة في عقر دارنا ولم تحرّك الحكومة ساكنا للوقوف بوجههم، لكنّ الذّلّ والهوان إذا استمرأه الإنسان يصبح جينا من جيناته، وهذا ما هو موجود في جينات الحكومات الأردنيّة المتعاقبة التي استمرأت الذّلّ والمهانة ولم تجرؤ أن تقول للعدوّ أطلقوا سلاح أسرانا، ناهيك عن محاولة نيل رضا الاحتلال، في الوقت الذي يُغتصب فيه الأقصى، وتنتهك فيه حرمات الأسرى.
أسرانا الأبطال في سجون الاحتلال سلام عليكم طبتم آمنين، وبصمودكم المشرّف سطّرتم لنا أروع الأمثلة في الصّمود، وأذقتم العدوّ أشدَّ أنواع العذاب، وعلّمتم حكوماتكم المتعاقبة دروسا في الكرامة والكبرياء، فأنتم الطّلقاء بحرّيّتكم وعزّتكم وشموخكم، والحكومات هي الأسيرة وإن سكن من فيها في القصور، وأكلوا اللّحوم، وشربوا من حوض النّيل، وإن لعبوا وضحكوا فهم أسرى وعبيد وأنتم الأحرار، وهم يعرفون أنّكم أحرار وهممكم تعانق السّماء وأنّهم عبيد وخدم لدى الاحتلال، لكنّهم رضوا بالانبطاح في أحضان الصّهاينة، أيّتها الحكومات لن يغفر التّاريخ لك ولن يرحمك إن لم تستخدمي كلّ الأوراق التي في جعبتك لتحرير الأسرى الأردنيّين المحسوبين عليك مواطنين يحملون هويّة أردنيّة فهم أبناء الوطن فلتتحمّلي مسؤوليّتك في الإفراج عنهم وإعادتهم إلى أحضان وطنهم وعائلاتهم.