
كتبت: هيفاء أبو صبيح
يقترن رمضان منذ نعومة أظافرنا ببعض من العادات والتّقاليد التي تختلف من بلد إلى آخر، حتى أنهّا تختلف بين العائلات في محيط جغرافي واحد. وتعتبر الحلويّات أهمّ ما تشترك فيه على مدى السّنين والمسافات، إذ أنّها نقطة الالتقاء عبر التّاريخ والزّمان. وكما لرمضان ميزته في هواء الحرّيّة،فإنّ له ميزات أيضا في زنازين الأسر والقهر.
كانت حلويّات رمضان موجودة وبكثرة في معظم السّجون، غير أنّها تختلف نظرا لأمور عدّة منها طبيعة السّجن والموادّ المقدّمة فيه وبحسب طبيعة الطّاهي الذي يكون عادة من الأسرى بنفس القسم. ولكنّ الأمر المبهج أنّ هناك حلويّات تُقدّم دوما في أمسيات رمضان بما قلّ أو كثر من الموادّ.
ومن أهمّ هذه الحلويّات نجد القطائف، ونظرا لعدم وجود الطّحين والافتقار إلى موادّ التّحضير على اختلافها يكون الخبز المقطّع إلى شرائح المادّة الرّئيسيّة في القطائف التي تعدّ داخل سجون الاحتلال.
وهناك طريقتان للحصول على شبه القطائف؛ الأولى هي إزالة القطع البنّية عن حوافّ الخبز وإبقاء الجزء الأبيض ثمّ وباستعمال “كاسة” بلاستيكيّة برتقاليّة تصبح هذه القطع من الخبز رقيقة، وبالاعتماد على القوّة البدنيّة تصبح كقطعة عجين. وفي مرحلة ثانية يتمّ حشوها بقشدة تُستخرج من الحليب والنّشاء المهلبيّة، وتُقلى في زيت ساخن ثمّ تنقع في القطر البارد لتصبح جاهزة للأكل بعد الإفطار.
أمّا الطّريقة الثانية فتتمثّل في تجفيف الخبز ليصبح قاسيا صلبا و ومن ثمّة يُطحن، ويُعجن بعد ذلك كالدّقيق العادي ويصبّ في آنية من “تيفال” ليصبح أقراص قطائف ويحشى بالمكسّرات أو القشدة أيضا.
وعلى غرار القطائف توجد حلويّات مشهورة أخرى أهمّها الكنافة وهي أيضا من الخبز وتحشى بشرائح جبن صفراء وتغطّى بالقطر وتوزّع بالسجن.
وهنالك حلويّات اخترعناها لحاجتنا إلى الحلوى، وتتكوّن من تمر يُطبخ على النّار ليصبح كالعجوة ومن ثمّة نكسر بسكويت شاي عادي ليصبح مثل الدّقيق ونضع بعضا من المكسّرات أحيانا يتمّ تحميصها ثُمَّ نعدّ العجين كريّات دائريّة صغيرة ونضع فوقها سميدا محمّصا لتكون الحلوى بلون الرّمل عند الانتهاء، وهي سريعة التّحضير خفيفة المذاق وجميع موادّها متوفّرة في أغلب الأوقات.
وهنالك حلوى النّسكافيه، وهي مكوّنة من مهلبيّة بالنّسكافيه وفوقها طبقة بسكويت وبعدها مهلبيّة وهكذا، طبقتين أو أكثر وفي الطّبقة الأخيرة نخلط اللّبن بملعقة من مربّى التّوت الأحمر ليصبح اللّون زهريّا، وحتّى يكون الطّعم بين الحموضة والحلاوة ونرسم باللّبن أيّ رسم أو عبارة نريدها.
تحمل هذه المراسم الكثير من الدّلالات، فهي لا تمثّل مجرّد عمليّة إعداد حلويّات، فهي تُغذّي الأخوّة والمحبّة بين الأسرى فتتعالى بها أصوات الضّحكات المتحدّية لغطرسة السّجان وظلمه، ونُوجد وسط آلام القيد عيدا كأنّه عيدنا بين الأهل. فنستحضر ما تعوّدنا عليه في الحرّيّة، فلا قيود تحرمنا من أيّ شيء ورغما عن سياسة الاحتلال فإنّنا نكسر الجمود ونتشبّث بالحياة ولو بأقلّ الأمور وأبسط الأشياء والموادّ.
ولكنّ كلّ هذا لا يحجب عنّا حقيقة الأسر والحرمان، فالمفترض أنّ الحلويّات وأجواء تحضيرها حلوة المذاق مثل اسمها، ولكنّ طعمها يبقى علقما، بل وأمرّ من الدّفلة، وعندما يتمّ أكلها تنزل دمعة اشتاقت صاحبتها إلى حضن أمّها، أو زفرة حنين دوّت معلنة شوق صاحبها إلى أهله وأبنائه. فتبقى غصّة الحنين والاشتياق للبيت والأهل والأحباب مميّزة لطعم تلك الحلويّات التي نعدّها بدموعنا، فتكون في النّهاية حلويّات مرّة.