عين على السجونواقع السجون

مخاطر الاعتراف

كتب : ثامر سباعنه


1- كشف المعلومات  

أخطر مافي الاعتراف أنّك ستكشف لعدوّك معلومات ستُستخدم لضرب جماعتك أو تغييب الأسير لفترة طويلة في السّجن، والأخطر عندما تكون هذه المعلومات حسّاسة وهامّة وتكشف خيوط العمل ومركزه.

2-السّقوط

أحيانا يكون الاعتراف مدخلا لإسقاط الأسير في شباك الاحتلال والعمل معهم  فيصبح عميلا للاحتلال مقابل سرعة الإفراج عنه أو تخفيف حكمه أو حتّى عدم الكشف أنّه قد اعترف، وطبعا كلّ هذه العروض زائفة وغير صادقة وما هي إلاّ خداع جديد من العدوّ لأخذ المعلومات ثمّ إسقاط الأسير واستغلال وضعه النّفسي الصّعب بعد الاعتراف.

يقول الأسير ( خ . م ) من منطقة بيت لحم :
“أثناء مراحل التّحقيق اعترفت عند العصافير وكان الاعتراف كبيرا وفيه أسماء لزملائي في العمل الوطني وعندما تمّت إعادتي إلى مركز التّحقيق بدأ المحقّق بساومني على التّعاون معه والعمل لصالح الاحتلال مقابل تخفيف الحكم عنّي، ولكنّي رفضت فعرض عليّ أن لا يتمّ الإعلان عن اعترافي ولا أكتب إفادتي مقابل العمل معهم فرفضت كلّ العروض، لأنّي أدرك أنّهم سيصنعون معي كما حبّة اللّيمون، وبعد عصري وأخذ مايريدون  سيلقون بي، وهذا كان و ما زال مصير كلّ العملاء الذين تعاونوا مع أعدائهم على مرّ العصور والأزمان.

3-قوّة للعدوّ

المعلومات التي سيحصل عليها العدوّ ستكون عامل قوّة وسيطرة له وستكون نوعا من الأمان وستمنح نصرا معنويّا لجهاز التّحقيق وتصنع نوعا من الفخر عند المحقّقين، وقد رأيت بعينيّ  وجوه المحقّقين كيف كانت غاضبة عندما كنت أرفض الاعتراف وعند فشلهم في انتزاع معلومات منّي، وكيف كانت وجوههم هازئة بي فرحة منتصرة عندما اعترفت وشعرت يومها بالمعنى الحقيقيّ للهزيمة.

 

4- ضعف الجماعة:

يُضعف كشف المعلومات الحركة والتّنظيم ويجعلهما مكشوفين أمام العدوّ، وبالتّالي لن تستطيع الصمود أمام الضربات المتلاحقة التى سيوجّهها العدو لها، أو سيقوم بزرع العملاء في داخل جسد الحركة مستغلاّ ما حصل عليه من معلومات من التحقيق .

 

5-مشاكل اجتماعية :

تدبّ المشاكل الاجتماعيّة بين الناس والمجتمع وذلك نتيجة اعتراف بعض الأسرى على أسرى آخرين واعتقالهم ممّا يؤدي إلى حالة غضب واحتقان بين أهالي الأسير المعتقل والأسير المعترف وأهله. وأذكر هنا قصّة حصلت عام 2014 عندما أخبرني أحد الأسرى بعد زيارة أهله له أنّ اشكالا قد حصل بين أهله وأهل أسير آخر معنا في السّجن وأنّ خطيبة الأسير الآخر قد قالت لزوجة زميلي الأسير إن : زوجك هو السّبب في تأخّر زواجي أنا وخطيبي لأنه اعترف وكان سببا في اعتقاله. وقد أدّى ذلك إلى خلاف وشجار بين العائلتين.


6- مشكلات نفسيّة :
أترك التعليق على هذه النّقطة للأستاذ الأسير صهيب ثابت من قرية دجن قضاء نابلس الحاصل على ماجستير في أساليب التدريس وشهادة   TOT ( تدريب متدرّبين ) ليقول :
عقب انتهاء التّحقيق بكلّ مراحله والأساليب التي تتنوّع في استخدامها والتي كان مآلها استنطاق المتّهم وحمله على الاعتراف بالتّهم والشبهات  الدّائرة حوله، فإنّ الأسير يمرّ بحالات نفسيّة متقلبة غير مستقرّة كل منها معقول بالظّروف المواتية. ففي الوهلة الأولى يشعر بحالة من الارتياح المكذوب لأنّه أنهى فترة التّحقيق التي أرهقته نفسيّا وجسديّا، فهو من جهة تخلّص من الصّراع الذي كان يعيشه طيلة فترة التّحقيق وهذا الصّراع أراه يطابق صراع الاحتجاج –   avoidance canflict كما يصفه علماء النّفس ، ويتمثّل هذا الصّراع في رغبة الأسير في تجنّب موقفين كلاهما غير مرغوب فيه عنده، ولكنّه لا يستطيع تجنّبهما معا، فهو من جهة يريد التّخلص من آثار التّحقيق العصيبة نفسيّا وجسديّا، ومن جهة أخرى يريد منع الاعتراف لما يترتّب عليه من أضرار وآثار هو يدركها بظنّه وبتوجيه من المحقّق، فهو يظنّ أنّه إذا اعترف فسيتّهم بالجبن وإفشاء السّرّ، وإذا لم يعترف ستتواصل معاناته في الزّنازين، وإذا مثّلنا الاحجام بإبعادها فإنّه يمكن تمثيل هذا النّوع من الصراع بالشّكل التالي

موقف ( أ )                                                                       

موقف ( ب )
البقاء في معاناة التحقيق                   الأسير ذلّ الاعتراف

ونتيجة  للموقفين المتضادّين يدخل في الصّراع إلى أن يتمكّن من حسمه وينقسم الأسرى في ذلك إلى صنفين:
أ /  صنف يتغلّب على الموقف( أ) ألا وهو (معاناة التّحقيق) وينتصر في مرحلة التّحقيق.
ب / صنف يتغلّب عليه الموقف ( ب ) ويعترف وهو موضوع حديثنا :
إن تغلّبه على هذا الموقف نتيجة ضعف أمام وعوامل الضّرر البدني والذي يدل على امتلاكه لقيم مادّيّة طاغية على القيم المعنويّة، فهو لا يرى أولويّة في قيمة البطولة دون قيمة الحفاظ على نفسه وجسده والتّواصل مع أهله. وينقسم الأشخاص الذين يهتمّون بالقيم المادّية دون المعنويّة نسبيّا إلى:
1) قيمة مادّيّة بحتة: لا يشعر بالحرج أو الضّعف أو المهانة أمام فقده لقيمه معنويّة، ولا يملك تأنيبا للذّات، المهمّ أن يتخلّص من التحقيق.
ب)قيمة مادّيّة مع ندم :هؤلاء وإزاء ماقدّموه من اعترافات فإنّهم يشاهَدون في حالة نفسيّة سيّئة يتخلّلها لوم وندم وجلد للذّات بعد أن استشعار عظيم نتائج ما فعلوابسبب الاعترافات، وهؤلاء أيضا ينقسمون إلى أقسام وفقا لحجم المعلومات التى أدلوا بها ومقدار الأضرار التي أحدثوها وحجم العوامل الخارجية المؤثّرة على المحيط ومقدار الحكم الذي يمكن أن يحكموا به:
1)شعور بندم بسيط :حجم الأضرار قليل والحكم المتوقّع صغير

2)شعور بندم متوسّط: حجم الأضرار عليه وعلى غيره متوسّط ويمكن تقبّله
3)شعور بندم شديد: حجم الأضرار كبيرة والحكم المتوقع أكبر له ولأفراد في مجموعته وهذه الحالة الأخيرة يمكن أن تُدخل الفرد مراحل نفسيّة معقّدة خصوصا إذا تلا ذلك عوامل خارجيّة تأنيب المحيط له بشدّة وتخلّي أفراد مجموعته عنه وكذلك لوم الأهل قد يؤدّي به إلى إحباط شديد يقوده الى:
-العدوان: قد يظهر العدوان كعنف جسديّ يسبّبه لنفسه او لغيره وقد يكون موجّها نحو مصدر الإحباط(السّجّان ، المحقّق) أو نحو أفراد محيطه.
-القلق الدّائم والتّفكير المستمرّ الذي يرهقه ويقعده عن العمل واللاّمبالاة وقد يلجأ إلى عقاب نفسه بحرمانها من الكثير من الأمور.. فبعضهم يتوجّهون نحو الصّياح المستمرّ وآخرون يعاقبون أنفسهم بعدم الخروج إلى الفورات والبقاء في الغرفة منهمكين في الأعمال اليوميّة كالطّبخ والتّنظيف وغيرها.
وقد يلجأ المعترف إلى حرمان نفسه من متطلّب التّفاعل مع الآخرين كأن يبقى وحيدًا ملازما فراشه وعدم الخروج لزيارة  الأهل أو مراسلتهم وعدم الالتقاء بأفراد مجموعته لشعوره بالذّنب تجاههم والخجل من المحيط، ودائما يوجّه عبارات الإهانة لنفسه وقد يصرّح بها أمام الآخرين، وهذه حالة خطيرة لا ينبغي النّظر إليها على أنّها أمر طبيعي ولا يجب تعزيزها أو حتّى ذكرها بالمدح لأن لا تتكرّر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى