
تعتبر قضيّة الأسرى من أهمّ القضايا وأكثرها حيويّة ليس على المستوى المحلّي فحسب، بل كذلك إقليميّا ودوليّا لما تمثّله من قيمة يستشعر معها الكلّ أهمّية تلك الشّريحة ودورها في حماية مجتمعها ووطنها في سبيل بناء وطن مستقلّ قادر على تحقيق أمانيه وتطلّعاته نحو الحرّية والاستقلال.
على مدار عقودٍ مضت قدّمت فلسطين بأسرها عشرات الآلاف من الأسرى قضى جلّهم أو البعض منهم حياته داخل السّجن، يدافع عن حرّيته وحرّية وطنه في سبيل بناء مجتمع حرٍّ مستقلّ، مُتحدّيا صلابة السّجّان وتجبّره.
ومابين صلابة السّجّان وتجبّره كان لابدّ للمؤسّسات الرّسميّة وغير الرّسميّة أن يكون لها دور مركزي في تقديم قضيّة الأسرى على أنّها قضيّة وطنيّة وأنّهم جزءٌ لا يتجزّأ من الأسرة المجتمعيّة.
وفي هذا الإطار لابدّ من الوقوف على الدّور الاجتماعي الشّعبي والرّسمي تجاه قضيّة الأسرى.
أوّلاً: الدّور الاجتماعي الشّعبي تجاه قضية الأسرى الفلسطينيّين:
يتمثّل الدّور الاجتماعي تجاه الأسرى في:
*تعميق ودّ الزّيارات الاجتماعيّة تجاه عوائلهم وألاّ تقتصر فقط على المناسبات الوطنيّة، أو الأفراح العائليّة، وألاّ تدخل ضمن باب المجاملات اللّفظيّة؛ فكما يحتاج الأسير إلى زيارة عائلته والالتقاء بهم والاطمئنان على أحوالهم كذلك تحتاج أسرته إلى زيارات دؤوبة ومستمرّة بهدف شحذ همّة أفرادها ورفع معنويّاتهم والوقوف بجانبهم في كافّة المناسبات.
*تفعيل دور المؤسّسات المحلّيّة وتعزيز دورها لتأخذ المكانة الفعليّة في تقديم الواجب الإنسانيّ تجاه الأسرى خاصّة وعوائلهم عامّة؛ فالأسرى ليسوا قيمة هامشيّة صفريّة تُستذكر في يومها العالمي في السّابع عشر من نيسان ثمّ تطوى صفحتها؛ بل هم قيمة وحركة عالميّة سبقها نضالات أمميّة ودوليّة، وكان لهم السّبق في الدّفع نحو عجلة الحرّيّة واستقرار أوطانهم.
*وهذا يتوقّف على الدّور الأساسي للمجتمع بدءا من الأسرة وانتهاء بالمجتمع المحلّي بشتّى مؤسّساته، وهذا لن يتأتّى إلاّ بزيادة الوعي السّياسي والاجتماعيّ والثّقافي بحيويّة تلك القضيّة وأهميّتها.
*تنظيم مبادرات ترفيهيّة لعائلات الأسرى ليس فقط في يوم الأسير فحسب، بل في كافّة أيّام السّنة وصبغها بطابعٍ ترفيهي اجتماعي بحت، إشعارا بأنّهم جزء من الكلّ وأنّهم ليسوا مستثنين من دائرة الكلّ الاجتماعي، فعائلة الأسير كما تحتاج للطّعام والشّراب تحتاج للتّرفيه والتّنزّه شأنها في ذلك شأن بقيّة الأسر والعائلات الأخرى، وهذا يتضمّن الرّحلات، وتكريم أبنائهم، وزرع البسمة على وجوه ذويهم؛ في سبيل نشر المحبّة بينهم وبين الكلّ المجتمعي.
*تنظيم ندوات محلّية داخل المجتمع أسبوعيّا خاصّة داخل المدرسة، أو الجامعة، وغيرها من المؤسّسات المحلّية الفاعلة والنّشطة للتّعريف بالأسير الفلسطيني وإلاّ تكون سنويّة تُعرض فيها معاناة الأسير ثمّ سرعان ما تتلاشى وتزول، وهذا يحتاج لندوات معمّقة ووطنيّة وليست مسيّسة أو حزبيّة حتّى يسهل التّعاطي معها بعيدا عن التّسييس الحزبي العامّ.
هذا عن الدّور الاجتماعي الشّعبي أمّا عن الدّور المؤسّساتي الرّسمي فهو على النّحو الآتي:
*تبني الدّولة واجبها الرّسمي تجاه الأسرى عبر صرف راتب شهري للأسير كمكرمة وحقّ وطني له؛ حتّى لا تكون عائلته تحت طائلة التّسوّل، أو تفكّر في اللّجوء للمؤسّسات طلبا للمال.
*فضلاً عن توفير حاضنة مجتمعيّة لأبنائهم وحمايتهم من التّشرّد والضّياع وإشراكهم في الأندية والمؤسّسات التّرفيهيّة والاعتناء بهم.
*لا ننسى دور النّخبة السّياسيّة المتمثّلة بأعلى سلطة في الدّولة وصولاً إلى المستوى الأدنى بما فيهم الكتّاب والباحثين والإعلاميّين الأكثر تأثيرا في اتّخاذ القرار داخل المجتمع من خلال تبنّي سياسات تأثيريّة مهمّة وضاغطة نحو الدّفع بقضيّة الأسرى أمميّا ودوليّا كونهم الفئة الأكثر وعيا وفكرا.
*تبنّي الدّولة سياسة الرّعاية والاهتمام بالأسير عقب خروجه من السّجن، كون العديد من الأسرى يتعرّضون للأمراض المزمنة، والبعض منهم يفقد جزءا من أعضاء جسده نتيجة للإهمال الطّبي المتعمّد. ولهذا السّبب يجب توفير حاضنة طبّية لهم وإسناد علاجيّ لمن يعانون من الأمراض المزمنة منهم، وتحويلهم للخارج إذا استلزم الأمر.
*فضلاً عن توفير فرصة عمل أو وظيفة لائقة بهم، خاصّةً وأنّ البعض منهم يحصل على درجة علميّة تؤهّله للعمل في مؤسّسات داخل المجتمع ممّا يتوجّب رعايتهم وتوفير أدنى مقوّمات الحياة الآمنة لهم.
*توفير الأمن والحماية لهم عبر تبنّي قرارات وقوانين دوليّة تمنع مرّة أخرى إعادة اعتقالهم، أو تعرّضهم للمنع من السّفر للخارج لقاء علاجهم، أو تعليمهم. وهذا يقع بشكل مباشر على عاتق المؤسّسة التّشريعيّة والمؤسّسات الحقوقيّة والدّوليّة، وألاّ يقتصر دورها فقط على سنّ القوانين بل تنفيذها وتطبيقها بعيدا عن الدّور الشّكلي للمؤسّسة.
خلاصةً لما سبق إنّ توفير الأمن الاجتماعي والسّياسي والاقتصادي للأسير الفلسطيني ليس مسؤوليّة فرديّة بل هو مسؤوليّة عامّة تأخذ طابع الانتماء والوفاء لتلك الشّريحة داخل المجتمع وخارجه، وهذا لن يتأتّى إلاّ بتعزيز الوعي بكلّ مكوناته داخل المجتمع حتّى يصبح الكلّ واعيا وقادر على فهم واجباته تجاه الأسرى وذويهم، حتّى نصل إلى بناء مجتمع متماسك يصبح كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسّهر والحمّى.