
بِسْم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على رسوله الأمين وبعد،
حبيبي الغالي أحمد..
الحمد لله الذي قدّرنا زوجين وجعلني من نفسِك. تلك النفس الأبية الطاهرة، التي لم تستكن ولَم تضعف أبداً خلال الأيام التي عايشتك فيها بل هي السنوات السبع عشرة.
فقبل سبعة عشر عاماً التقينا التقاءً لا انفكاك منه، وتأصيلاً لارتباط ربّاني حمل في طياتِه سماتٍ روحانيةٍ جهادية باقية لا تندثر وإن اندثر كل شيء… فقد زُفّت الأرواحُ واجتمعت الصّفات وتوحّدت القلوب على قول الله ” الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة”.
ولم يكن سكنُنا كأيّ سكن، فهو سكنُ القلوب المتطلّعة إلى العلياء في مكمن الخلود. فوالله الذي نفسي بيده إنّها التّجارة الرابحة.
فقد ربح بيعُنا، وقطفنا حبّا وعطفا رغم الإبعاد والإقصاء، رغم الفراق وما حمله من آلام كانت الآمال غالبةً له، ولعلّها يوما تفوز الفوز النّهائي فنلتقي.. نلتقي ونستذكر الشّهور الخمسة التي قضيناها معا ما بين المطاردة والبعد وهدم البيت والتّشتّت، والتي في حينها كنت أعتبرها مغامرة ولَم أدرك ماهيّتها. وبعدها أدركت بأنّها هي القوة، فقد كنّا أقوياء كجبال شامخة ما هزّتها ريحٌ عاتية ولا أثرّ فيها أيّ عامل من عوامل الطّبيعة -فهي الرّاسخة- وأمّا رسوخنا نحن فهو رسوخ إيماني، رسوخ العقيدة في قلبينا، فقد انتظرتك شهيدا قبل زواجنا وبعده، فقدّرك الله أسيرا، وتقادير الله هي الخير، وقدّر الله لنا أن نرزق بابننا محمود في أجواء غير اعتياديّة، لا بيت ولا زوج ولا راحة ولا استقرار، كل شيء متلاشٍ إلا رحمة الله القريبة من عباده المحسنين.
وقد اخترتك أنت، واخترت حياتك وطريقك رغم صعوبته ووعورته؛ فأنت الذي يستحق أن تفنى الأرواح لأجله.
وكانت هذه البداية فقدا وابتلاء ومن ثم ابتلاء آخر يتبعه ابتلاءات، وفِي الثاني نخرجُ أقوى من ذي قبل؛ فهو الرصيد الأبدي عند رب العالمين. لقد علمت فأيقنت فسلّمت أمري لمن بيده الأمر في كل نائبة وشدة، وهنا لن أصف نفسي بصاحبة القوة التي لا تضعف، أو المتجمدة العواطف. فالنّفسُ الإنسانية مهما كانت قوية فإنها تضعف وتفتر وتقل حيلتها على التحمل، ولكنّي إن وصلت إلى هذه المرحلة ولَم أستطع الصبر فإنّي أتصبّر وألتجئ إلى من لا ملجأ منه إلا إليه فأتجلّد، وقد تجلّدت هناك عندما رأيتك بعد أربعة عشر عاما، لقد رأيت وجهك -الذي لم أكن أراه إلاّ في الصّور أو في حلم جميل أحفره في ذاكرتي كي لا أنساه- رأيتك في غرف التّحقيق حيث يحيطون بِنَا من كلّ ناحية فحافظت على رباطة جأشي ولَم أذرف دمعةً واحدة لعلمي مدى تأثيرها عليك، مع أنّ قلبي كان كبركان ثائر …
شق الروح ..إني لأجد الأمل في الحياة عندما أنظر إلى وجهي أميرتينا سندس ونور، فأرى الوجه الحقيقي والجميل في هذه الحياة، فكيف بنطفة اخترقت جدران وحواجز السّجن والسجان لتصبحا أميرتين جميلتين تنيران منزلنا بحركتيهما وبصوتيهما!
أيها الغالي.. بعد ربّي منك استمد قوتي؛ من دعمك، ومن عنفوانك، ومن سيرتك الطيبة والتي بلغت الآفاق، وإني لأسأل ربي أن تكون أعظم عنده، وأن يعوضنا عن البعد والفراق بلقاء قريب في دنيانا، وأن يعوضنا عن كل ثانيةٍ ولحظة من البعد بالتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم في الآخرة ونحن برفقة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم مع من نُحب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زوجتك المحبّة
هنادي/ أم محمود