مذكرات أسير

المياه عنوان تصعيد جديد بحقّ الأسرى

كتب: قتيبة قاسم


عادةً ما يتفنّن الاحتلال في انتقاء عقوباته بحقّ الأسرى الفلسطينيّين، واعتماد آليّات مختلفة للّنيل من صمودهم ومحاربتهم داخل تلك الجدران الضّيقة الصّمّاء، وذلك ليس إلاّ انتقاما من تضحياتهم ومن كمّ الفعل الذي أغاظ المحتلّ وما وجد سبيلاً غير أحكامه الجائرة لتقتلعهم من بين أحضان ذويهم فتُلقي بهم في غيابة الجبّ، ثمّ تتلقّفهم زنازين العزل والتّحقيق فالحرمان من الزّيارة والتّعليم وغيرها من القوانين التي تستجلب تكدير ما بقي من صفو بعد كلّ تلك العراقيل والعقوبات التي تنتجها ثقافة المحتلّ العنصريّة والمتغطرسة.

جاءت حكاية العقوبة الجديدة تثبت بعضا من سذاجة المحتلّ وعقليّته التي تنمّ عن حقد دفين، تبلورت اتّجاهاتها في تقليص استخدام المياه، كعقوبة لم تكن إلاّ نتاج حرب مستعرة يزداد لهيبها بين أطر الاحتلال وأجهزته المختلفة أيّهم يكسر إرادة الأسرى أكثر فيسجّل نقاطا في معاركه الدّاخليّة، ليصبح الأسرى في موقع جديد من لوائح العقوبات بأن يكونوا هدفا إعلاميّا وانتخابيّا وورقة مساومة وضغط يتلاعب بها اللاّعبون الصّهاينة كيفما شاؤوا، وللعقوبة وإدراجها في هكذا وقت دلالات ومعطيات مختلفة، فهل ما عاد للاحتلال إلاّ حمّام الأسرى واستخدامهم للمياه حتى يُفرغ بعضا من أحقاده هناك ؟؟

منذ زمن ليس ببعيد كانت قضيّة تقليص المياه حاضرةً على جدول أعمال العقوبات الذي لا يتوقّف، لكنها ورغم تكرار الحديث عنها فإنّها لم تصل إلى أن تكون مشروع قرار رسميّ كما هي الآن، حيث عمدت إدارات السّجون إلى قطعها مرارا وتكرارا وفي حالات مختلفة تحت ذريعة وجود خلل فنّي، وتزايدت تلك الحجج صيف العام 2016 في سجن النقب تحديدا وقُطعت المياه لساعات طويلة، وعندما كانت المحاولات الصّهيونية البائسة تواجه باحتجاجات الأسرى فإنّ إدارات السّجون تتراجع شيئا فشيئا إلاّ أنّها أخبرت حينها وبشكل غير مباشر وألمحت بأنّ الأمر مقصود، وأنّها تتّبع سياسة جديدة في تقليص المياه ولكن تلك السّياسة كانت بالمواربة ودون إعلان رسمي واضح.
ولو صحّت أحاديث الاحتلال عن استخدام الأسرى لكمّيات كبيرة من المياه، فهذا يعكس حقيقة أخرى بأنّ الأسرى بحاجة فعليّة إلى المياه والاستحمام بشكل أكثر من المعتاد خصوصا في السّجون التي تقع في صحراء النقب كسجنيْ النقب ونفحة حيث الحرارة المرتفعة دائما تقارب على الأربعين درجة مئويّة وكذلك السّجون التي ترتفع فيها نسبة الرّطوبة بشكل ملحوظ وكبير ممّا يجعل لمزيد من الاستحمام مطلبا حقيقيّا وضروريّا للجسم للتّخفيف من حدّة الصّيف.
ومن خلال بعض الأرقام نجد أنّ ساعات استخدام المياه والاستحمام بشكل خاصّ محدودة جدّا، فمن المعلوم بأنّ أقسام الأسرى عبارة عن غرف مغلقة ولا يخرج الأسير إلى “الفورة” التي تتضمّن أماكن الاستحمام إلاّ لعدّة ساعات (لا تتجاوز 8 ساعات يوميّة فقط) من مجمل اليوم الذي يقضيه الأسرى داخل الغرف المغلقة والتي لا يستطيع الأسرى الاستحمام فيها (باستثناء عدد محدود جدّا من الأقسام التي تحتوي غرفها على ما يشبه دُش الاستحمام) ولا تشكّل تلك الأقسام والغرف إلاّ نسبة ضئيلة من مجموع الأقسام والسّجون.

وبما أنّ القرار قد صدر بشكل مباشر من وزير “الأمن الدّاخلي الإسرائيلي” جلعاد أردان فهذا يعكس حقيقةً أخرى تكذّب الرّواية الصّهيونيّة السّمجة حول أرقها من معدّلات الاستخدام والاستهلاك وتعكس بحال من الأحوال حجم الضّغط الصّهيوني الدّاخلي حيال قضيّة جنود الاحتلال المفقودين في غزّة، وحال الضّغط الدّاخلي الموجّه نحو الاحتلال وقادته للاستفراد بالأسرى الفلسطينيّين كورقة ضغط على المقاومة في غزّة، وأثبت الاحتلال قبل ذلك بخطوات مماثلة، فمنع الأسرى من مشاهدة المباريات وبعض القنوات وحرمانهم من التّعليم وغيرها من العقوبات التي لا تشكّل أدنى خطر على الاحتلال لا يمثّل سوى رغبته بالانتقام والنّيل من عزيمة الأسرى.
ويأتي قرار تقليص المياه في السّجون ليفتح بابا أغلقه الاحتلال منذ اتّفاق أوسلو وهيمنته على المياه الفلسطينيّة بشكل عامّ وإنّ ذلك يدعو إلى بعض المقارنات خارج السّجون والتي تبدو فيها سرقة المياه الفلسطينيّة واضحة ومهولة، فما يعلنه الاحتلال نفسه عن معدّلات الاستهلاك الصّهيوني للمياه مخيفة مقارنةً بالاستهلاك الفلسطيني في الضّفّة والقطاع، حيث يبلغ نصيب المستوطن الواحد 180 لترا في اليوم في مقابل 23 لترا للفلسطيني، أي ما نسبته 80% للمستوطنين و20% للفلسطينيّين، فما قد يستخدمه مستوطن واحد في إحدى مستوطنات الضّفّة الغربيّة فإنّه قد يوازي أو يعادل استهلاك عشرات الأسرى في سجون الاحتلال، ويبقى التّوزيع العنصري للمياه يلاحق الفلسطينيّين حتّى في السّجون، وإزاء ذلك فإنّ المعركة قد تستعر وقد يكون للأسرى خطوات تمهّد لكسر هذه العنصريّة التي تلاحقهم في إحدى مقوّمات الحياة الأساسيّة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى