
الجزء الثّاني
ولقد استطاع فريق التّحقيق التقاط صورة لهذا المعتقل من الخارج، وهو منشأة تقع داخل معسكر للجيش الإسرائيلي إبّان الانتداب البريطاني، وهي تبعد عن حيفا 45 كم، وعن تل أبيب 69 كم، وعن القدس 109 كم.
أمّا عن الصّورة التي انتشرت للمنشأة فلقد التقطت من الخارج. وكان لكلّ أسير رقم يُنادى به ويُمنع الأسرى من التّواصل فيما بينهم كما أنّ الجنود المكلّفين بحراستهم كانوا يجهلون هويّاتهم، لذلك ابتكر الأسرى وسائل سرّيّة للتّواصل مثل الطّرق على الجدران.
ولقد التقى فريق التّحقيق بالصحفي الفلسطيني نوّاف العامر ابن قرية كفر قليب قضاء مدينة نابلس -الذي تعرّض للاعتقال الإداري عدّة مرّات- وكان له نصيب تذوّق مرارة المعتقل السّرّي. فقال: ” بتاريخ 1/5/2002 تمّ نقلي إلى سجن مجهول الهويّة، وهناك سألني الضّابط: هل تعرف أين أنت؟ قلت أعرف أنّي في سجن، قال أنت في مكان سرّي لا أحد يعلم عنك شيئا وإذا متّ لن يشعر بذلك أحد”. ويصف العامر الزّنزانة قائلا: “الزّنزانة عبارة عن مقبرة مؤقّتة، في الخارج يطفئ الجنديّ النّور فبالكاد تستطيع أن ترى، وإذا أردت رؤية يدي أقرّبها إلى وجهي، ثمّ أبدأ في تحريك الشّعر وأتخيّل أنّ الشّعر يتحرّك حتّى لا يتأثّر بصري وقدرتي على النّظر والتّحديق في الأشياء…أمّا الطّعام المقدّم في ذلك الوقت لي ولغيري فقد كان في حدود ما يبقينا على قيد الحياة فقط”.
وتقول المحامية عبير بكر عن المعتقل السّرّي: “1391 مكان معدّ لتعذيب الأشخاص، هو مسلخ، وبما أنّ أحدا لم يزره فإنّي أستطيع القول أنّه مسلخ تحدث فيه عمليّات إعدام للمفقودين…إنّ أوّل ما يخطر في بالك عن المعتقل السّرّي هو كلّ قضية اختفاء قسري، والهدف الأوّل من إخفاء هذا الشّخص هو استخدامه كوسيلة للتّفاوض أمام ما يسمّى عدوّ دولة إسرائيل، ومن المعروف أنّ الأسرى بالمعتقلات السّرّية يعيشون أقصى الظّروف القاسية، ونحن نعي هذه الأمور ونعرفها من شهادات الأسرى ونحن متأكّدون من هذه الشّهادات لسبب واحد، ليس لأنّنا نثق بموكّلينا؛ بل لأنّ شخصا واحدا قد يكون غير دقيق في وصفه لكنّ تكرار نفس الوصف وتطابق الأوضاع والجمل التي تقال للمعتقلين يؤكّد صدقها وموضوعيّتها”.
أمّا المحامية شيرين بكر فتحلّل الوضع قائلة: “لماذا كان معتقل غوانتانامو خارج الحدود الأمريكيّة؟ السّبب الأوّل وبكلّ بساطة هو أن لا يطبّق عليه الدّستور الأمريكي، ولكنّ الحالة الإسرائيليّة شائكة أكثر، فالمعتقل السّرّي تحت سيادة إسرائيل كدولة ويجب أن يكون تحت قوانينها، والغطاء القانوني الذي أُعطي لهذا المكان عبر موافقة المحكمة العليا عليه جعله كأنّه خارج القانون.”
ومن أشهر المعتقلين الذين يُعتقد أنّهم دخلوا المعتقل الشّيخ “مصطفى الدّيراني” المسؤول الأمني السّابق في حركة أمل اللّبنانية، ويُعتقد أنّ الدّيراني ظلّ بالمعتقل 8 أعوام، ووفقا لمقابلات سابقة أُجريت معه فقد مارس المحقّقون بحقّه أسوأ أنواع التّعذيب الجسديّة والنّفسيّة، وبعد أن نُقل الشيخ الديراني إلى معتقل آخر قدّم شكوى مفادها تعرّضه إلى اعتداءات جنسيّة من قبل أحد المحقّقين وهو المدعوّ بالكابتن جورج، وخلال مجريات القضيّة أفصح عن هويّة ذلك المحقّق ونشر اسمه الحقيقي وهو دورون زهافي المحقّق في معتقل 1391.
ولقد حاول فريق التحقيق إجراء اتّصال مع دورون زهافي الذي يشغل منصب مستشار في بلديّة القدس، ولكنّه رفض إجراء المقابلة وطلب التّواصل مع محاميه إيفرايم نافيه الذي ردّ قائلا: “أنا لست واثقا إن كان في مصلحته إجراء مقابلة الآن، حيث أن المسار القضائي لم ينته بعد. وأنا لا أريد أن يضرّه ذلك، ما يهمنّي في نهاية المطاف هو مصلحة موكّلي لأنه يواجه دعوى قضائية ما زالت تحت المسار القضائي في المحكمة … لست واثقا أنّني أريد ذلك”.
ولقد برّرت القيادة الإسرائيليّة وجود السّجن السّرّي بحاجتها إلى أسرى تقوم بمبادلتهم مع الآخرين فلسطينيّيّن كانوا أو عربا. فبالعودة إلى مقابلة أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية آرييل شارون مع صحيفة يديعوت احرونوت بتاريخ 26 / 9 / 2003 نجد أنّه قال: “عندما كنت قائدًا لوحدة المظلّيّين قمنا بعمليّات كثيرة للقبض على رهائن ودفعنا الدّماء الكثيرة من أجل القيام بذلك، موشيه ديان (قائد أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت) أطلق على هذا الأمر اسم “بنك الأسرى”.
وفي ختام هذا التّحقيق نجد أنّه رغم اعتراف إسرائيل بالمعتقل 1391 معتقلا سرّيّا ودون الإفصاح عن معلومات أو تفاصيل عديدة فإنّه ليس من الواضح إذا كان هذا المعتقل السّري الوحيد… لتبقى جميع الاحتمالات واردة!!؟