
لا يخلو طريق من يدعم القضيّة الفلسطينيّة ويقف في صفّ الشّعب الفلسطيني ويعمل على نصرة الأسرى والمسرى من عقبات ومعوقات. فالطّريق نحو تحرير القدس ومسرى الرّسول (صلوات ﷲ وسلامه عليه) الذي فتحه عمر وحرّره صلاح الدّين يستحقّ منا التّضحية والجهاد كلّ من مكانه. ولا يجب احتقار أيّ شيء فالذي يراه كثيرون بسيطا يكون أثره كبيرا.
إنّ الذين يحملون سراج التّحرير في القدس وفلسطين وأنحاء العالم تنتظرهم الصّعاب والمحن لأنّهم أخذوا جمرة القضيّة بأيديهم. أجل، قلت “أنحاء العالم” لأنّ فلسطين قضيّة لها أولويّة في حياتنا، وقد تحوّلت هذه القضيّة إلى قضيّة كلّ إنسان عادل مع نفسه يرى الحقّ حقّا والباطل باطلا. وتبقى القدس جوهر هذه القضيّة وستبقى فلسطين إسلاميّة للمسلمين والعرب وعاصمتها الأبديّة القدس وأرضها حرّة إلى يوم الدّين.
فمن أهل القضية شهداء، كما وصفهم ﷲ عزّ وجلّ في آية ’‘من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا ﷲ عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا’’. لم ييأسوا ولم يتراجعوا عن مهمّتهم فتقدّموا وفي أيديهم سراج التّحرير واصطفاهم ﷲ ليكونوا شهداء بعد أن نالتهم رصاصات الغدر الصّهيونيّة وارتقوا للعلا، إذ أنّ الشّهادة كانت أسمى أمانيهم. فكلّ شهيد يخطو خطوة نحو النّصر وكلّ شهيد كان لديه بريق الأمل للوصول نحو القدس. ومن الشّهداء الأحياء من ينتظرون الشّهادة في سبيل ﷲ على أعتاب بيت المقدس. ومنهم من أُسر بيد العدوّ، والأسر أشدّ من الشّهادة.
الأسر يجب أن يزحزح قلب المؤمن ويحرق ضميره حين يتلفّظ بهذا وأن يغلي الدّم في عروقه للحرص على فكّ الأسرى المسلمين، كما يقول نبيّنا صلى الله عليه وسلّم “فكّوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض.” ثلاثة أمور هنا أمر بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذكر الأسر قبل الجوع والمرضـ لأنّ الأسير أشدّ حاجة لتقف الأمّة بجانبه فهو المغيّب في غياهب السّجون ومدافن الأحياء في تلك الظّروف القاسية بالسّجون والزّنازين: كالأبنية والغرف الصّغيرة والمكتظّة، إضافة إلى الظّروف الصّحّية والإهمال الطّبي المتعمّد كسوء الطّعام المقدّم للأسرى، قلّة النّظافة، الحرمان من النّوم والعلاج، التّعذيب الذي لا يخطر على عقل وقلب بشر، وحشيّة التّحقيق وأساليبه، الانتهاك لأبسط حقوق الأسير والحرمان من زيارة الأهل والأبناء والزّوجة فتمرّ السّنة تلو الأخرى دون السّماح بالزّيارة تحت ذريعة المنع الأمني والعزل الانفرادي ولا ننسى الاقتحامات اليوميّة لغرف الأسرى والعبث بـأغراضهم.
فيجب علينا أن نفكّ أسر الأسير المسلم رجلا كان أو امرأة وأن نعمل على إيصال قضيّته، وفكّ أسره فرض كفاية على أبناء الإسلام وإن لم يتم ذلك يصبح فرض عين وترجع المسؤوليّة لجميع المسلمين. فقد أخبرنا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: “إنّ هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند ﷲ من إهراق دم امرئ مسلم” فكيف وهنا أكثر من سبعة آلاف أسير خلف قضبان من حديد عند أرذل شرذمة يسومونهم سوء العذاب ولا مغيث لآهاتهم ولا مجيب لاستغاثتهم.
يقول منصور البهوتي في “كشف القناع” وتجوز مفاداته لتخليص المسلم ويفدى الأسير المسلم من بيت المال لما روى سعيد بإسناده عن حبان بن أبي حبلة أن رسول ﷲ صلى الله عليه وسلم قال:”إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم ويؤدوا عن غارمهم” لأنه من مصالح المسلمين وهذا من أهمه أو إن تحذر فداءه من بيت المال لمنع أو نحوه فمن مال المسلمين فهو فرض كفاية.
فمتى نسينا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الأسرى المسلمين؟! وكيف تعامل معهم في عهده؟ فنحن أمة نبي لم يترك أسيرا مسلما بأيدي المشركين. وهنا يخطر ببالنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول :”المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يسلمه”.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “تخليص الأسرى المسلمين بأيدي الكفار لأحب إلي من جزيرة العرب”. هم يعرفون جيدا أن فك الأسرى من أفاضل الأعمال التي تقرب إلى ﷲ عز وجل ومن الأعمال التي تجلب النصرة.
هذه الآثار تحث المسلمين على أن يتناصروا ويترابطوا. ورغم ذلك يأتي بعض الناس ويقولون ‘إن ما أصاب الأسرى بسبب خطئهم فما أصابهم استحقوه’! هذا الفكر الفاسد والقول الزور شائع في بعض الناس وفي بعض المناطق. فإذا لم يكن هؤلاء المجاهدون المرابطون في أكناف بيت المقدس وجوار المسجد الأقصى المبارك أحق الناس بالنصرة وهم الذين فارقوا أهاليهم وأراضيهم وأولادهم لنصرة قضية القدس وتحرير فلسطين، فمن يا ترى يكون أجدر بالمناصرة؟!
فقد أوجب ﷲ عز وجل على المسلمين تخليص إخوانهم من الأسر ولو كان بالقتل لأن ﷲ تعالى يقول في حق الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ﷲ “وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر!” نحن لسنا قضاة ولا علينا المحاكمة بل المهمة التي كلفها ﷲ بنا هي نصرة إخواننا في أي مكان كان وفي أي شكل كان!
وتدل أيضا الآية “وإن يأتوكم أسارى تفادوهم” على أن فك الأسرى واجب علينا. قال ابن العربي “إلا أن يكون أسرى مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى تخرج إلى استنقاذهم إن كان عدد المسلمين يحتمل ذلك أو بذلوا جميع أموالهم في استخراج الأسرى حتى لا يبقى لأحد درهم. كذلك قال مالك وجميع العلماء. حسبنا ﷲ على ما حل بالخلق الذين يتركون إخوانهم في أسر العدو الصهيوني وفي أياديهم خزائن الأموال. فإذا دعيتم لأجل العون في تخليص الأسرى لا عليكم إلا الإجابة، وإذا استنصرتم لا عليكم إلا النصرة لفك قيدهم أيها المسلمون!
فمن حق الأسرى علينا تسليط الضوء على قضيتهم وأن نكون صوتا لهم. فقضيّة الأسرى قضيّتي وقضيّة كلّ مسلم حر غيور.ولا عذر لأي مسلم أن يتخاذل في نصرة الأسرى! فلا يتحجّج أحد أنّ القضية تخصّ أهل الأسير سواء كان فلسطينيّا أو أردنيّا أو غيره، فالقضيّة أكبر من تلك الحدود والجنسيّات.