كي لا ننسى

المسكوت عنه

بقلم: م. بلال استيتي  

الشّعب الفلسطيني مثله مثل شعوب الأرض قاطبة، هناك من أبنائه يقدّم روحه وعمره في السّجون وأعضاء جسده في سبيل الله وفي سبيل تحرير أرضه التي اغتصبها المحتلّ منذ عشرات السّنين،  وهناك من يسعى إلى العيش والتّأقلم مع الحياة في الوطن من أجل إكمال حياته ولو صوريّا مثل شعوب الدّول الاخرى، ولكنّ الكلّ يجمع على حبّ فلسطين حتّى وان اختلفت نسبة التّضحية والمقاومة والعمل للتّحرر من نير الاحتلال .


وللأسف يسعى الاحتلال إلى تصوير الأسرى الفلسطينيّين وخصوصا من يتمّ اعتقالهم أكثر من مرة على أنّهم عبء على المجتمع الفلسطيني، ولقد قال المحقّقون الصّهاينة للأسرى أثناء التّحقيق في حالات كثيرة: “ستصبح منبوذا ولن يزوّجك أو يشغّلك أحد”، بسبب خوف النّاس من آثار المقاومة ومن ينشط بها على مصالحهم الاقتصاديّة وغيرها، ولقد أصبحت هذه الفكرة مطبّقة ويعمل بها الكثير من النّاس وخصوصا في الضّفّة الغربيّة عكس قطاع غزّة الذي يعتبر الأهالي فيه تزويج المقاوم مثلا شرفا عظيما لهم.
وسأتحدّث في هذا المقال بلسان أسرى محرّرين كثر يعانون من عجزهم عن الارتباط بزوجة يسكنون إليها بسبب رفض الأهل لهم النّاجم عن خوفهم من رجوعهم إلى الأسر مرّة أخرى، وهذه الظّاهرة القديمة الحديثة في المجتمع الفلسطيني ولكنّها تتزايد بشكل كبير في وقتنا الحاضر أعاني منها انا ونسبة كبيرة من الأسرى المحرّرين الذين أمضوا زهرات شبابهم في السّجون بسبب مقاومتهم للاحتلال ودفاعهم عن غيرهم.

 

ولقد تحدّثت إلى الكثير من الأسرى المحرّرين في هذا الموضوع، وأتذكّر في ذات السّياق كتابا لأحد الأسرى قرأته في سجن النقب في العام 2008 يتطرّق فيه صاحبه إلى ذات المشكلة، والثّابت أنّ الكثير لا يحبّون نقاش هذا الموضوع لأنّهم ينتظرون أن يتمّ تكريمهم من المجتمع الفلسطيني وليس أن يتمّ إهمالهم ورفضهم بشكل كبير وواضح في مختلف المدن والقرى في الضّفّة الغربيّة. ولقد عبّر بعض المحرّرين عن ذلك على صفحاتهم على مواقع التّواصل الالكتروني وهناك العديد من القصص التي سمعتها وأعرفها وسأذكر بعضها لكي نقرع الجرس للحدّ من هذه الظّاهرة التي لا تناسب مجتمع يسعى إلى التّحرّر من الاحتلال.


إنّنا نُخرج الكلمات من قلوبنا باسم الأسرى المحرّرين لكي لا يكون المجتمع مساعدا للاحتلال -دون قصد- على تدمير نفسيّاتهم، فهناك من يتمنّى منهم العودة إلى الأسر لأنّه لم يجد الاحترام الذي كان يتوقّعه من النّاس، وهناك من أصابته الأمراض النّفسيّة، وتمّ تعييره بذلك من قبل ضبّاط الشّاباك الصّهيوني في التّحقيق في عوفر أو عصيون أو سالم وهي معسكرات احتلاليّة في شمال الضّفّة الغربيّة ووسطها وجنوبها تتمّ مقابلة الفلسطينيّين فيها.

 

يقول أحد الأسرى المحرّرين بأنّ الفلسطينيّات يتمنّين الزّواج من مقاوم، ولكنّ تفكير الأهل بأنّهنّ سيعشن في ألم وخوف ومضايقات من المحتلّ وبعد عن الزّوج وتحمّل مسؤوليّة البيت والأبناء في حال الأسر يجعلهم رافضين إتمام تلك الزّيجات. وقد يقول أحدنا “معهم حق”، ولكن أليس من حقّ من يقاوم المحتلّ ويقضي حياته في السّجون أن يعيش كغيره من الشّباب الفلسطيني؟ فهو لا ينقصه شيء ويجب إكرامه ومجازاته بكلّ خير لصبره على المحتلّ وظلمه وليس التّضييق عليه من مجتمعه ومحيطه.


ولقد كان أحد الأسرى المحرّرين خاطبا وعندما تمّ طلبه لمقابلة ضابط الاحتلال في منطقته طلبت خطيبته الطّلاق بسبب ذلك، وكان محرّر آخر خاطبا لفترة مطوّلة ولكنّ أهلها أجبروها على تركه.
وهناك العديد من القصص التي لا مجال لذكرها هنا ولكنّي أريد أن أطلق صرخة مدوّية في عنان السّماء بأنّ الأسرى المحرّرين هم أمانة في أعناقنا جميعا، ومساعدتهم والاهتمام بهم والعمل على دمجهم في المجتمع واجب وفرض على كلّ واحد منّا، فهم قد تحمّلوا البرد والزّنازين والبعد والجوع من أجلنا وليس من أجل المجتمعات الأخرى، وهم خيرة أبناء شعبنا علما وأخلاقا وتديّنا وتميّزا في مجالاتهم سواء في الهندسة والقانون والتّجارة وغيرها، ويجب على هيئة شؤون الأسرى بالتّعاون مع المؤسّسات الدّاعمة وغيرها من المؤسّسات العاملة في مجال حقوق الأسرى السّعي إلى تزويجهم وعمل عرس جماعي لمساعدتهم في أعباء الزّواج ودفع المجتمع بجميع أطيافه  إلى دعمهم في ذلك.
وفي الأخير أقول إنّ الأسير هو نبراس الأمّة وتاج رأسها، وكرامته أسمى ما يملك، ومقاومته للمحتل لا ينتظر عليها جزاء أو شكورا من أحد. ولكن على المجتمع الذي ضحّى من أجله عليه واجب ردّ بعض الجميل تعويضا لسنوات ألمه في الزّنازين وأن لا يفرض عليه الوحدة والعزلة ويحرمه من أن يتمتّع بحقّه في الزّواج وتأسيس أسره مثل غيره من شباب فلسطين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى