عين على السجونواقع السجون

“الرّملة” مقبرة الأسرى

بقلم : فاطمة القاضي

تسقط تماما كلّ مسمّيات الحقوق الدّوليّة والإنسانيّة التي تكفل للإنسان كرامته وحياته حين تدخل مجتمع الأسرى المرضى في مستشفى الرّملة، وهو مسمّى وضعه الاحتلال الصهيوني، ليختبئ خلفه ملوّحا بديموقراطيّته وعدالته الزّائفتين، والحقيقة أنّه لا يحمل من اسمه شيء، فلا وجود لأطبّاء مختصّين، ولا لعلاجٍ حقيقي، ولا يختلف مستشفى الرّملة عن غيره من السّجون الأخرى بل يفوقها سوءا.

وحدهم الأسرى من يعطون الأسماء حقوقها، فهم من أطلقوا على مستشفى الرملة، لقب مقبرة الأحياء، فكافّة الأسرى القابعين هناك يعانون أوضاعا قاسية للغاية، ويتعمّد الاحتلال في مكان من البديهي أن يتمّ تقديم العلاج فيه، إلى ممارسة الإهمال الطّبي، كنهج ثابتٍ وعقابٍ لكلّ الأسرى، دون مراعاة لأيّ حقّ إنسانيّ أو دوليّ.

خطّ الموت

ينتظر الاحتلال أن يشرف كلّ أسيرٍ مريض على الموت، فيستمرّ في المماطلة في تقديم العلاج اللاّزم للأسير أيّا كانت حالته ودرجة خطورتها، حتّى يصل إلى الرّمق الأخير، وينعدم الأمل في شفائه، فيضاعف الاحتلال معاناته في تلك اللّحظة، ويدع جسده فريسة سهلة للأمراض تفتك به كيف تشاء.

إنّه “مستشفى” بلا مقوّمات طبّية حقيقيّة، ودون مستلزمات وأدوية وأجهزة مساعدة وأطبّاء مختصّين، رغم أنّ كلّ من فيه من الأسرى هم من أصحاب الأمراض الخطيرة، كأمراض القلب، والسّرطان والشّلل والكلى، ويحتاجون إلى عناية فائقة، وبذلك يحقّ للأسرى أن يطلقوا على هذا المستشفى اسم مقبرة الأحياء.

إحصائيّات الرّملة

يبلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال 1200 أسيرا مريضا، بينهم 140 يعانون من أمراضٍ تصنّف في درجة الصّعوبة والخطورة، ومنهم 21 أسيراً يعانون من مرض السّرطان، و34 يعانون من إعاقة حركيّة أونفسيّة.
ويتواجد في الرّملة عدد من الأسرى المصابين بأمراض القلب والفشل الكلوي والرّبو وأمراض أخرى، ويقيم 19 أسيرا بشكل دائم في ما يسمّى بمستشفى سجن الرّملة.

قصصٌ من مشفى الرّملة

الأسير المريض محمّد سعيد بشارات (32عاماً)من بلدة طمون، أحد الحالات المرضيّة الصّعبة في مستشفى سجن الرّملة، نقل إليه بعد أن تبيّن أنّه يعانى من فشل كلوي حادّ، واتّضح أنّ حياته مهدّدة بالخطر. ولقد كان الأسير بشارات متواجدا في البداية في سجن النقب، حيث اشتكى من أعراض مرضيّة كارتفاع في ضغط الدّم والتّقيّئ لمدّة تزيد عن الشّهرين، ولكنّ إدارة السّجن لم تقم بنقله إلى المستشفى إلاّ بعد أن تدهورت صحّته وبلغ مرحلة الخطورة حيث صار مصابا بفشل كلويّ ووصلت نسبة الهيموغلوبين في الدّم عنده إلى 6 فقط، وأصبح بحاجة إلى غسيل كلى مرّتين في الأسبوع.
ورغم صعوبة الوضع الصّحّي للأسير بشارات فإنّه تعرّض للإهمال الطّبّي مرّة أخرى في المستشفى، حيث أصيب بجرثومة في الدّم كادت تودي بحياته أثناء قيامه بغسيل الكلى، وسبب ذلك هو قلّة النّظافة والتّعقيم.
اليوم وبسبب الإهمال الطّبّي ومقبرة الأحياء، يحتاج الأسير بشارات الذي كان معافى الجسد تماما إلى غسيل للكلى مدّة 6 شهور مستمرّة، ومن ثمّ سيحتاج إلى عمليّة زراعة كلى، ولا يعلم الأسير إن كان سيسمح له الاحتلال بإجرائها أم أنّه سيفقد حياته جراء المضاعفات الجانبية لحالته.

انتهاكات أخرى

لا يمثّل الإهمال الطّبي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الأسرى المرضى في ما يسمّى بمستشفى سجن الرملة؛ فهناك العديد من المشكلات والصّعوبات الحياتيّة التي تواجههم مثل مشكلة الازدحام الشّديد وعدم توفّر أماكن لأيّ أسير مريض قادم بحاجة للعلاج، بالإضافة إلى ذلك يتواجد الأسرى في قسم صغير جدّا لا يتّسع لأعداد المرضى المتزايد، ويشهد المكان عمليّات تفتيش واقتحامات تتعرّض لها غرف المرضى بصفة دوريّة، هذا ولا ننسى الإشارة إلى عدم توفّر الكثير من الأجهزة التي يحتاجها الأسرى، مثل الكراسي المتحرّكة والبخّاخات والعكاكيز وغيرها.

معاناة مضاعفة

لا يكتفي الاحتلال بهذه الانتهاكات الصّريحة بل يصل به الأمر إلى أن تقوم إدارة سجن الرّملة بنقل الأسرى المرضى المحتاجين للعلاج والمتابعة إلى السّجون، أو تقوم بتحويلهم إلى مستشفيات خارجيّة لأجل إجراء فحوصات أو تصوير أشعّة. وعوض أن تتمّ إعادتهم إلى المستشفى لاستكمال علاجهم مرّة أخرى تقوم بنقلهم إلى السّجون مباشرة، كما جرى مع الأسير متوكّل رضوان، الذي جرى نقله إلى سجن مجدو، ولم تعده الإدارة إلى مستشفى سجن الرّملة بعد تحويله إلى مستشفى خارجي لعمل فحوصات دون استكمال علاجه، وهو الأسير المصاب بانسداد في شرايين القلب، وعدم استكماله للعلاج يهدّد حياته بشكل حقيقيّ.

وفي مواجهة الانتقادات ضدّ هذه السّياسة تدّعي إدارة سجن الرّملة بأنّ هذه السّياسة تهدف إلى إفراغ الغرف في الرّملة، لاستيعاب أسرى مرضى جدد. ولكنّ الحقيقة أنّها تفعل ذلك نكاية بالمرضى والتفافا على مطالب الأسرى بفتح قسم جديد أوسع يستوعب عددا أكبر من الأسرى المرضى والذين تتزايد أعدادهم، وهو المطلب الذي وضعه أسرى إضراب الكرامة على قائمة أجندتهم ولم يتحقّق.

وهكذا يجد الأسرى المرضى أنفسهم أمام واقع متأزّم فإمّا الإصابة بالأمراض في السّجون والتّعرّض إلى الإهمال الطّبي أو التّوجه عند الإشراف على الموت إلى مستشفى سجن الرّملة الذي لا يغيّر من أوضاعهم الصّحيّة شيئا بل لعلّها تزداد خطورة أو العودة مجدّدا إلى السّجون وقد تضاعفت المخاطر المحدقة بحياتهم وصاروا أكثر حاجة إلى العناية الطّبية المتواصلة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى