
عمّار عبد السلام
تُعتبر الكتابة واحدة من الأنشطة القليلة التي يتّخذها الأسير الفلسطيني درعا يواجه به قسوة السّجّان وسياساته السّاعية إلى تدميره على كافّة المستويات الذّهنيّة والنّفسيّة والجسديّة. والكتابة في السّجون الصّهيونيّة ليست متاحة للجميع أو في كلّ الأوقات وكثيرا ما يتعرّض الأسرى إلى الحرمان من الأقلام والأوراق أو تتمّ مصادرة ما يكتبونه. ورغم ذلك تصدر بين الحين والآخر مؤلّفات لأسرى وترى النّور فتكون موضع دراسة وإقبال من المهتمّين بالأسرى وبأدب السّجون خاصّة.
ولقد شهد الشّهر الماضي إطلاق رواية “حكاية سرّ الزّيت” للأسير وليد دقّة المولود سنة 1961 في باقة الغربيّة، المعتقل منذ 32 سنة. وهي رواية موجّهة لليافعين وتُعتبر الرّواية الأوّلى الموجّهة لليافعين في أدب السّجون الفلسطيني. ويُصّور دقّة في هذا الكتاب الممتدّ على 96 صفحة رغبة طفل في زيارة أبيه الأسير في السّجن، لكنّه لا يستطيع بسبب منع الاحتلال للزّيارة، فيعتمد على الاختباء داخل شجرة زيتون سيتمّ نقلها إلى الدّاخل، ومن هناك، يختفي الطّفل بواسطة زيت الزّيتون المقدّس، ويتمكّن من دخول السّجن للزيارة، وعندما يخيَّر السّجين بأن يتمّ إخراجه بواسطة الزّيت المقدّس، يختار أن يتمّ نقل الطّلاّب العاجزين عن الوصول إلى جامعاتهم، مقدّمًا تعليمهم على حرّيّته.
ورغم أنّ الرّواية موجّهة إلى اليافعين بالدّرجة الأولى فإنّها قد شكّلت أزمة لدى السّلطات الصّهيونيّة التي ضغطت لتعطيل إطلاقها في باقة الغربيّة بالإضافة إلى شنّ الصّحف العبريّة هجوما عنيفا على الرّواية وصاحبها الذي أصبح يواجه إمكانيّة التّعرّض إلى العقاب والعزل الانفرادي بعد أن أنكرت إدارة السّجون منحها الإذن له بنشرها عبر المحامي.
ويحيلنا تعامل الاحتلال مع رواية حكاية سرّ الزّيت على أهمّيّة أدب السّجون سواء داخل المعتقلات الصّهيونيّة أو خارجها، فالأسير الكاتب ينقل تجاربه ورؤاه وأفكاره عبر كتاباته التي تشكّل بدورها أملا وحافزا ودفعا معنويّا كبيرا للصّمود، أمّا خارج السّجون فيُعتبر صدور كتاب جديد لأحد الأسرى حدثا يتجاوز بعده الثّقافي والأدبي إلى أبعاد سياسيّة وإنسانيّة ورمزيّة كثيرة. وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة تسليط الضّوء أكثر على أدب السّجون الفلسطيني بمختلف مراحله وتجاربه وخاصّة تجربة وليد دقّة الذي حصل أثناء فترة اعتقاله على درجة الماجستير في العلوم السّياسيّة، وكانت له العديد من الدّراسات والمقالات، بالإضافة إلى نصوص سياسيّة وثقافيّة، من أهمّها دراسة “صهر الوعي”، ونصّ “الزّمن الموازي” الذي يتناول تجربة الأسر، وتمّ تحويله إلى عرض مسرحي، وهو ما يعطي تجربة وليد دقّة في أدب السّجون زخما كبيرا ترجمته النّدوات الكثيرة التي عُقدت حول “حكاية سرّ الزّيت” نشرا وتعريفا ودراسة وتحليلا.