زاجل الأسرىكي لا ننسى

الدّقائق العشر

بقلم: شيماء حلايقة زوجة الأسير أسامة شاهين


الزّمن داخل السّجون يختلف عن خارجه، فالدّقائق التي نعرفها نحن ليست كالدّقائق بالنّسبة إلى الأسير وأطفاله، فكلّ دقيقة منها كأنّها ساعة، ففيها يحتضن الأسير أبناءه بفيض من الحبّ والشّوق غير المنتهي.
إنّها عشر دقائق أو تزيد خمسا أخرى تسمح فيها إدارة السّجون لأبناء الأسرى الذين تقلّ أعمارهم عن ثماني سنوات باللّقاء المباشر مع آبائهم، وهي دقائق لا تنير قلوب الأسرى وابنائهم الصّغار إلاّ مرّة واحدة كلّ شهرين بشرط أن يقوم الأسير بتقديم طلب للإدارة (تصريح) للسّماح لأبنائه بالزّيارة.
تفتح الأقفال الحديديّة الكبيرة، ويقف السّجّانون على الأبواب، يدخل الأطفال فتتعانق الأرواح الصّغيرة البريئة مع أرواح أبطال عشقوا الأقصى، يراقب ذووهم من خلف الزجاج أبناءهم وهم يعانقون آباءهم، فيرون الطّفل متعلّقا بعنق والده ثمّ ينظر إليه ويعود ليعانقه، وينظر إليه مرّة أخرى ثمّ يقبّل وجنتي والده ويعانقه مجدّدا، ومن خلف الزّجاج يرون طفلة تجلس في حضن والدها واضعة رأسها على صدره تسرق بعضا من الحنان الذي حرمها منه الاحتلال، ولعلّهم يرون رضيعا لا يتجاوز الشّهرين من العمر يحتضنه والده بكثير من الشّوق وهو الذي يحضن فلذة كبده للمرّة الأولى.
فجأة تسمع صوت السّجّان يقطع تلك الدّقائق المميّزة صارخا “شباب خلصت الزيارة”، فيخرج الأطفال مرغمين والدّموع تملأ عيونهم، ولكنّهم يودّعون آباءهم وهم يبتسمون.
تنتهي الدّقائق العشر التي يعتبرها الجميع مجرّد دقائق معدودة لا تغيّر من الواقع شيئا، ولكنّها بالنّسبة للأسرى وأطفالهم الصّغار تمثّل حياة بأكملها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى